إسطنبول | مرة جديدة تتلقى تركيا ضربة أمنية أكثر من قاسية من قبل عدوّها الأول: حزب العمال الكردستاني. ضربة أودت بحياة 26 جندياً تركياً، وأدت إلى جرح 18 آخرين، في مقابل 15 قتيلاً من المهاجمين الأكراد، وجعلت من عملية هاكاري أمس رابع أكبر الضربات قساوة التي يتلقّاها الجيش من المنظمة الكردية المحظورة منذ انطلاق المواجهة العسكرية بين الطرفين في 1984. حدث ضخم هزّ تركيا والعالم لعدة أسباب؛ أولاً لأن العملية جاءت عشية بدء البرلمان التركي جلسات إعداد دستور جديد للبلاد. ثانياً لأنّ العملية العسكرية استهدفت، في وقت متزامن، 8 مواقع مختلفة من محافظة هاكاري القريبة من الحدود الإيرانية في جنوب شرق الأناضول، والتي زارها الرئيس عبد الله غول في نهاية الأسبوع الماضي. ثالثاً لأنها تتزامن مع تزايد مشاكل تركيا مع دول لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأزمة الكردية تاريخياً، كإيران وسوريا والعراق وإسرائيل حتى. ورابعاً لأن العملية نفسها تأتي بعد رواج سجال حامٍ في تركيا بعد الكشف عن عودة المفاوضات المباشرة بين مدير الاستخبارات التركية حقان فيدان والزعيم المعتقل لـ«العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان في سجنه بجزيرة إمرلي، قبل أن يُعلَن أخيراً فشل جديد لهذه المفاوضات.

ونظراً إلى جميع هذه العناصر والتعقيدات، جاء ردّ الفعل التركي الرسمي ليترجم استنفاراً استثنائياً، على المستويين السياسي والعسكري. سياسياً، ألغى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو زيارتيهما إلى كازاخستان وصربيا لحضور اجتماعات أمنية استخبارية رفيعة المستوى، مع إطلاق أردوغان مواقف أوحت بمسؤولية «قوى أو دول» ما عن العملية. أما أمنياً، فقد جاء الانتقام الأوّلي بدخول فرق تركية خاصة الأراضي العراقية، لمسافة ثمانية كيلومترات، لملاحقة المقاتلين الأكراد، وذلك «بموافقة السلطات العراقية والكردية في شمال البلاد»، على وقع عودة الغارات الجوية للمقاتلات التركية على شمال بلاد الرافدين، مع توقّع شنّ الجيش التركي حملة برية واسعة النطاق في الأراضي العراقية الشمالية، وهو ما هدّد المتحدث باسم «الكردستاني» أحمد دنيس بمواجهته بـ«ضربات أكبر» للقوات التركية. وتجدر الإشارة إلى أن البرلمان التركي جدد تفويض الجيش أخيراً شنّ عمليات في شمال العراق. وما كان من غول إلا التوعّد بأن «الانتقام سيكون كبيراً جداً»، على وقع زيارة رئيس أركان الجيش نجدت أوزل المنطقة التي تعرضت للهجوم في هاكاري.
وعن تفاصيل العملية التي وصفت بأنها ضخمة للغاية وتبنّاها «العمال الكردستاني» رسمياً «رداً على حملة اعتقال الأكراد وقصف الطائرات التركية لقواعد حزب العمال في شمال العراق»، فقد تحدثت مصادر عن أن أكثر من 100 مقاتل كردي شاركوا فيها، وهو ما جعل القتال يستمر لأكثر من 4 ساعات في الهجوم على ثكنات عسكرية وأخرى تابعة للشرطة في المحافظة المذكورة. وجاءت العملية بعد يوم واحد من مقتل 5 جنود أتراك و3 مدنيين على أيدي من يعتقد أنهم من «العمال الكردستاني» أيضاً في محافظة بيتليش ذات الغالبية الكردية. وبعيداً عن التهديدات والتهديدات المضادة، جاء كلام أردوغان لافتاً حين ذكّر بأنّ «حزب العمال الكردستاني» هو أداة بيد «مراكز قوى»، واتهم «أعداء تركيا» بالتورّط في الموضوع، مهدّداً «كل من يدعم الإرهاب علناً أو بالخفاء بأنه سيشعر بالانتقام التركي». وفي وقت لاحق، استدعى وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي إغيمن باغيس سفير الاتحاد الأوروبي في تركيا مارك بيريني إلى الوزارة، حيث يتوقع أن يكون باغيس قد جدّد قلق بلاده من موقف بعض الدول الأوروبية المتساهل تجاه حزب «العمال الكردستاني»، وخصوصاً من ناحية التغاضي عن تمويله والتعاطي مع وسائل الإعلام الكردية الموالية لـ«الكردستاني» من عواصم أوروبية. ربما لذلك سارعت قوى غربية عديدة، من بينها واشنطن والاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي، إلى إدانة «العمل الإرهابي الشائن» في تركيا.
ورغم الإيحاءات الخارجية التي يمكن استخلاصها من كلام أردوغان بشأن احتمال وجود جهة خارجية متورّطة من قريب أو بعيد في الهجوم الكردي الأخير، فإنّه أعاد بنفسه الموضوع إلى إطاره الداخلي عندما ربط بين العملية وقرب بدء اجتماعات اللجنة البرلمانية المكلفة إعداد دستور جديد للبلاد. وعن التلميحات الخارجية لكلام أردوغان، رأى المحلل السياسي التركي علي نهاد أوزكان، في حديث مع «الأخبار»، أن «العمال الكردستاني» يجري استخدامه تاريخياً من قبل دول أجنبية، و«لا أعرف إن كان أردوغان يقصد مسؤولية سورية أو إيرانية عن العملية؛ فمن جهة سوريا، فإنها متورطة منذ زمن طويل في دعم الحزب الكردي، وهي هذه الأيام ليست على علاقة جيدة أبداً بتركيا. ومن جهة أخرى، فإن إيران غير مسرورة بتاتاً بموافقة تركيا على نشر الدرع الصاروخية الأطلسية على أراضيها، مثلما أنه نظرياً يجب عدم استبعاد وجود دور لإسرائيل في الموضوع».
في المقابل، وضعت نازلي إلاساك، وهي صحافية بارزة في «صباح»، في اتصال مع «الأخبار»، العملية في خانة محاولة «العمال الكردستاني» تحسين موقعه على طاولة المفاوضات مع السلطات التركية في أقرب وقت ممكن، مشددة على احتمال وجود رابط بين العملية وزيارة غول إلى تلك المنطقة، لكون الرئيس التركي أراد أن يقول إن هذه المحافظة لن تبقى بمثابة دولة للحزب الكردي.