«يا سكان العالم انتفضوا في 15 تشرين الأول». إذا سمع الناس النداء فسينتفضون اليوم في 719 مدينة، في 71 دولة، مشاركة في حملة «متحدون للتغيير العالمي» التي أطلقها ناشطون على الإنترنت. حملة استلهمت نجاح حركة «احتلوا وول ستريت» التي بدأت منذ أسابيع في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، وامتدت إلى مدن أخرى، إذ أصبح مثلاً موقع «www.occupytogether.org»، غير الرسمي، الذي يعنى بتنظيم مواعيد التظاهرات الأميركية، يهتم بجداول التحركات في أكثر من 1300 مدينة أميركية، فيما يتابع موقع «http://takethesquare.net/17s/» الساحات التي يجب على المتظاهرين احتلالها حول العالم. ويتابع موقع «http://15october.net» تفاصيل حراك اليوم العالمي (إلى جانب صفحة على فايسبوك وحساب على تويتر ويوتيوب) مع خرائط توضح الأماكن التي ستنطلق منها التظاهرات، وملصقات للطبع في لغات عدّة للاستخدام أثناء التظاهر والاعتصام. وبعد الولايات المتحدة، تبدو إسبانيا أكثر دولة سيتظاهر فيها الناس، وفق خرائط الموقع، بسبب الأزمة المالية التي تعيشها. لكن رغم أنّ الحراك الأميركي هو الأشهر اليوم، فقد سبقت الحملة التي أدت إلى يوم «السلطة للشعوب» في 15 تشرين الأول ذلك الحراك بشهور، حيث بدأ الأمر منذ كانون الثاني 2011 مع انطلاق الربيع العربي. فقد اجتمعت مجموعة من الناشطين الذين تأثروا بالصحوة العربية وإجراءات التقشف التي تفرضها الدول الأوروبية، وما عرف العام الماضي بـ«الثورة الإيسلندية الصامتة»، إذ استطاعت تلك الدولة الشمالية أن تتغلب على الأزمة المالية التي عصفت بها منذ 2008، عبر محاكمة المسؤولين عنها داخل البلد وصياغة دستور جديد ورفض رئيس البلاد التوقيع على قانون زيادة الضرائب على المواطنين، كما كانت تطلب المؤسسات المالية الدولية. أدت تلك الأحداث إلى إنشاء ما يعرف باسم تجمع DRY، من عبارة «¡Democracia Real YA!» الإسبانية، وتعني «الديموقراطية الحقيقية الآن». نظم التجمع في 15 أيار الماضي أول نشاط حقيقي له في ساحة «بويرتا ديل سول» في مدريد، فيما عرف لاحقاً بتظاهرات «الغاضبين» (los indignados) من إجراءات التقشف الحكومية (أكثر من 40 في المئة من الشباب الإسباني عاطل من العمل، وهو الرقم الأكثر ارتفاعاً في أوروبا).
منذ شهر عاد الزخم إلى المجموعة، إذ اجتمعت في مدينة برشلونة الإسبانية، بين 15 و18 أيلول، مجموعات ومنظمات مجتمع مدني وناشطون، وأصدروا بياناً يمكن اعتباره تأسيسياً لتعبئة الناس للتظاهر اليوم لأسباب عدّة، أهمها رفض سياسات التقشف التي تفرض في بلد تلو الآخر، بحجة الأزمة المالية التي لم يكن للشعب يد فيها. ويضيف البيان أنّه خلال الخريف الحالي ستكون هناك محاولة لإيقاف الحركات الراديكالية والديموقراطية في العالم العربي. ولذلك، يضيف البيان، يجب التحرك في 15 تشرين الأول لتعميم الممارسات الديموقراطية من الأسفل إلى الأعلى، ومن أجل بناء بدائل للأزمة الحالية. وبالفعل، إثر انتهاء اجتماع برشلونة، جرى تأسيس الموقع «http://15october.net» الذي يتابع الإعداد للتظاهرات حول العالم، تحت الشعار العريض «متحدون من أجل التغيير العالمي»، و«حان الوقت لنتحد، وحان الوقت كي يستمعوا إلينا، يا شعوب العالم انتفضي!».
ويقول البيان التأسيسي لحركة 15 تشرين الثاني المعنون بـ«لا شيء لنخسره، نستطيع ربح كل شيء»، إنّ المنظمات المشاركة ترفض التقشف كحل للأزمة الحالية، لأنّه يؤدي إلى إدارة استبدادية وغير ديموقراطية للثروات العامة. كذلك فإنّ رفض التقشف نابع من كونه يزيد عدم المساواة بين الناس، ويستهدف مباشرة نظام دولة الرعاية الأوروبي والحقوق الاجتماعية. ويرى المنظمون للحملة أنّ سياسات التقشف تكون مرجّحة للمصالح الاقتصادية والمالية الخاصة المسؤولة عن المسار الاقتصادي الذي أدى إلى الأزمة الحالية. أزمة ليست اقتصادية فقط بل سياسية، مع انفراط العقد الاجتماعي الأوروبي، وفضح الأحزاب السياسية التي لم تستطع أن تكون فعالة في إدارة الثروات العامة.
ويطلب البيان دمقرطة النظام الاقتصادي وبناء شكل جديد منه يسمح للجميع بالوصول إلى الدخل المناسب والحقوق الاجتماعية الأساسية. كذلك يطلب مساعدة الناس لا المصارف والمؤسسات المالية، كما حصل مع بداية الأزمة، ويستمر حتى اليوم.
ويطالب منظّمو التظاهرات بحرية الوصول إلى المعلومات والتعليم مقابل رفض الخصخصة والتسليع. ويرفضون كذلك الطريقة التي يعامل بها العمال المهاجرون بحجة ارتفاع نسبة البطالة، مع حرمانهم من حقوقهم وخفض رواتبهم، ويطالبون بمنحهم حقوقهم كاملة. ولا ينسى المنظمون التذكير بأهمية الديموقراطية المباشرة، واعتبار النموذج الحالي منها قد انتهى، فلا «أحد يمثلنا اليوم». ولذلك يعتبر يوم 15 تشرين الأول يوم المطالبة بالديموقراطية الحقيقية.
ولذلك أيضاً ستنطلق التظاهرات من الأماكن التي تمثل القوى التي «تقرر بالنيابة عنّا». ولن يكون اليوم يوم تظاهر فقط، بل سيكون يوماً تنطلق فيه الاستعدادات ليعرف الناس كيف سيقررون مستقبلهم.
وعلى الأرض، لن تكون التظاهرات أمراً مستجداً على ساحة بعض الدول، إذ إنّ الاعتصامات والاحتجاجات لم تهدأ في إسبانيا منذ أيار الماضي، وتواجه الشباب المعتصمون أول من أمس مع قوات الشرطة في برشلونة، التي لم تتورع عن ضربهم لإخلاء ساحة كانوا يعتصمون فيها. كذلك فإنّ الطلاب في تشيلي مستمرون في التظاهر منذ أيار أيضاً، احتجاجاً على نظام التعليم في البلاد الذي يسمح للمؤسسات الخاصة بالاستفادة في التعليم الثانوي، كما أنّ قسماً كبيراً من الجامعات يتبع للقطاع الخاص. كذلك، تدور معركة في كولومبيا بين الطلاب والحكومة بشأن إصلاح النظام الجامعي، وتوفي أحد المتظاهرين في مدينة كالي يوم الأربعاء، بعد مواجهات مع الشرطة.



خريطة التظاهرات

في لندن يخطّط المتظاهرون لاحتلال مركز البورصة، وسيتجمعون بداية في ساحة باترنوستر قرب فرع لمصرفي «بانك أوف أميركا» و«غولدمان ساكس». أما في باريس، فيقول بيان المنظمين إنّ المتظاهرين لن يستخدموا العنف، لكنهم لن يتورعوا عن إغضاب الواحد في المئة الباقين (الطبقة المالية، على اعتبار أنّ الحركة تمثّل 99 في المئة من الشعب) بكل الوسائل. وهناك دعوة على موقع التظاهرات الفرنسية «www.occupyfrance.org» لاحتلال منطقة «لا ديفانس» التي يوجد فيها أهم الشركات في باريس، ابتداءً من الخامس من تشرين الثاني المقبل.
في برلين يخطط المتظاهرون للاعتصام أمام السفارة الأميركية، وهم تظاهروا أول مرة في 21 أيار الماضي، ثم نصبوا الخيم في ساحة ألكسندر في المدينة في 20 آب الماضي، حيث أزالتها الشرطة. وسيكون النهار البرليني حافلاً بالموسيقى والنقاشات في أماكن عدّة من المدينة (http://democraciarealyaberlin.com). في العالم العربي، من المفترض انطلاق تظاهرات في دول عدّة، منها مصر والسعودية (وفق موقع الحملة)، والمغرب، وتونس، والأردن (للقطع مع النيوليبرالية). وفي لبنان، كان النقاش دائراً حتى يوم أمس بشأن التحرك في وسط العاصمة، وأنشأ بعض الناشطين صفحة على موقع فايسبوك بعنوان «احتلوا سوليدير».