انحسرت أمس موجة الإدانات التي لاحقت طهران منذ الكشف عن اتهامات أميركية لها بالتورط في تدبير محاولة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، في ظل حرص سعودي على التأكيد أن الهدوء لا يعني الضعف، ونفي إيراني لوجود اتصالات مباشرة بين طهران وواشنطن بشأن المزاعم حول المؤامرة. وأكد المسؤول الإعلامي في بعثة إيران في الأمم المتحدة، علي رضا مير يوسفي، أنه «لم تجر اتصالات مباشرة بين الدولتين»، رداً على ما أشارت إليه وزارة الخارجية الأميركية أول من أمس من أنها تجري اتصالات مباشرة مع إيران.

في موازاة ذلك، ما زالت الولايات المتحدة تبحث إمكان رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي، فيما كشف مصدر دبلوماسي أرجنتيني أن مسؤولين سعوديين، بطلب من الولايات المتحدة، أخطروا الأرجنتين قبل أربعة أشهر بـ«مؤامرة مزعومة تساندها إيران لقتل السفير السعودي في واشنطن، وربما مهاجمة السفارتين السعودية والإسرائيلية في بوينس أيريس».
ونقلت وكالة «رويترز» عن سفير في مجلس الأمن الدولي قوله: «لم يضعوا خطة اللعب بعد، إنهم يدرسون كل الخيارات، مزيد من العقوبات واستصدار قرار والإدانة كلها أمور ممكنة»، بينما أشار دبلوماسيون في المجلس إلى أن واشنطن أرسلت فرق خبراء من وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» ومكتب التحقيقات الاتحادي «أف بي آي» وإدارة مكافحة المخدرات إلى روسيا والصين، وهما من أكثر الدول المتشككة في المجلس ولهما حق النقض (الفيتو)، لشرح الموقف لهما. واتخذت الصين أمس موقف أكثر وضوحاً من الأزمة، داعيةً إلى بذل الجهود للحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج واحترام القانون الدولي «والمبادئ الأساسية الخاصة بالعلاقات الدولية وضمان سلامة الدبلوماسيين».
كذلك يرى مبعوثون في المجلس أن كسب تأييد الهند وجنوب أفريقيا إلى جانب البرازيل وروسيا والصين قد يكون صعباً على واشنطن، على عكس التأييد الذي ستناله الولايات المتحدة من دول أخرى بينها فرنسا وبريطانيا.
من جهةٍ ثانية، تتوالى تسريبات المسؤولين الأميركيين بشأن تفاصيل العملية مع استمرار التشكيك بصحتها. وأوضح مسؤولان أميركيان أن منصور أرباب سيار المشتبه فيه الرئيسي تعرف إلى المخبر الاتحادي السري من طريق امرأة التقى بها قبل سنوات، وذلك بعدما سألها عما إذا كان بإمكانها تعريفه بأي شخص «على دراية بالمتفجرات».
في المقابل، شكك ديفيد تومسكا، وهو صديق وشريك سابق لأرباب سيار، في قدرة الأخير على القيام بمهمة كهذه؛ لأنه كثير النسيان وغير منتبه، فضلاً عن أنه أدار عدداً من المشروعات الفاشلة، وفقد منزله لعجزه عن تسديد أقساط، بل إنه عاش في بعض الأحيان بدون كهرباء لأنه نسي أن يدفع الفاتورة.
أما المتهم الثاني، غلام شكوري، فبدأت الاتهامات تلاحقه بأنه متورطٌ في الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين.
في هذه الأثناء، لفت رئيس تحرير جريدة «الاقتصادية» السعودية، سلمان الدوسري، إلى أنه «يجب ألاّ يفسر التوجه السعودي نحو الهدوء بأنه ضعف؛ فهي تمتلك عدة خيارات كثيرة، سواء دبلوماسية أو غيرها، منها خفض المستوى الدبلوماسي السعودي في طهران». وأوضح أن «أفعال إيران ستودي بها إلى المحكمة الجنائية الدولية». كذلك حذر من أن «السفارات الإيرانية في الخليج قنبلة موقوتة لا يمكن معرفة ما يدور في داخلها من مخططات ومؤامرات تحاك ضد الخليجيين». وتوقع أن «تشهد الأيام المقبلة تصعيداً إيرانياً في موازاة الضغط الدولي المتوقع أن يزداد»، وذلك رغم استمرار إيران في نفي أي تورط لها في العملية وتحذير المرشد الإيراني علي خامنئي من أن «سياسة إرعاب دول المنطقة وتخويفها من إيران غير مجدية».
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، عبد الله القباع، أن «المملكة يمكن أن تقوم بمقاطعة اقتصادية أو قطع العلاقات الدبلوماسية في مرحلة أولى»، فضلاً عن إمكان «حث الدول الخليجية الأخرى على اتخاذ إجراءات صارمة تجاه طهران». أما المحلل السياسي، عبد الله حميد الدين، فتوقع أن «الخيارات المطروحة أمام المملكة لن تتعدى الخطوات السياسية والضغط على إيران عبر المؤسسات الدولية».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، أ ب)