اجتمعت كافة الظروف الموضوعية والذاتية لتجعل من هجمات 11 أيلول «إلياذة» جورج بوش الابن وإدارته، والأيقونة التي باتت تبرر لأميركا فعل كل شيء تحت شعار «الحرب على الإرهاب». ولأنه «في البدء كان 11 أيلول» بالنسبة إلى معظم ما حصل في عالمنا في العقد الأخير، كان لا بدّ من أن يكون العراق في صدارة ضحايا 11 أيلول. هكذا كانت تهمة ضلوع عراق صدام حسين بالهجمات تتصدّر الأكاذيب الـ11 التي بررت بها إدارة بوش الابن احتلالها لبلاد الرافدين، وظهر تهافتها على مراحل في ما بعد.
ولأنّ كل شيء مدروس في الحياة السياسية الأميركية بنحو تخرج فيه اعترافات ولا أجرأ، وقرارات ولا أصوب، لكن بلا جدوى، فقد صدر تقرير «لجنة 11 أيلول» بعد أقل من عام على شنّ الحرب على العراق، ليخلص إلى عدم وجود أي رابط بين العراق وهجمات 11 أيلول، بينما لم تتمكن اللجنة نفسها من تبرئة السعودية تبرئة كاملة من تورطها في الهجمات. ولأن معظم اللجان السياسية الأميركية لا تضمّن قراراتها مفاعيل رجعية، جاء تقرير «لجنة 11 أيلول» بلا نتائج؛ إذ إنّ كل ما كان يجب أن يحصل في العراق كان قد حصل بالفعل. لكن حتّى الأميركيون لا يقيمون وزناً للجانهم القانونية؛ إذ تأخّر اعتراف مسؤولي إدارة بوش بنتائج اللجنة، ولم ينعكس قرارها بتبرئة العراق وصدام حسين من مسؤولية الهجمات على الخطاب الإعلامي والسياسي لكثيرين من أركان الإدارة، حتى بعدما باتت هذه التهمة أضحوكة الملايين في قلب أميركا؛ فبعد عام كامل على صدور نتيجة «لجنة 11 أيلول»، نقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن بوش قوله، في 29 حزيران 2005 لجنوده المحتلين للعراق: «لا تنسوا دروس 11 أيلول 2001، أنتم تقاتلون هنا (في العراق) من أجل مستقبل الأمن الأميركي». وعلى ذمّة الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، فإنّ وزير الدفاع الأميركي الجديد، رجل الاستخبارات ليون بانيتا، كرّر هذه الكذبة في بغداد خلال زيارته العراقية الأولى كوزير للدفاع خلال العام الجاري. ربما كان الأجدى ببانيتا تغيير اقتناعات 33 في المئة من مواطنيه الأميركيين الذين لا يزالون يعتقدون أن هجمات أيلول كانت مؤامرة من الإدارة الأميركية نفسها!
وقد يكون بانيتا هذا أدرى رجل في العالم ببراءة العراق ورئيسه السابق من هجمات نيويورك وواشنطن؛ لأنّ الوزارة التي يديرها حالياً، ارتأت معايدة الأميركيين لمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للحرب في العراق، بكشفها في آذار 2008، عدم وجود علاقات مباشرة بين العراق وتنظيم القاعدة في هجمات أيلول، من خلال دراستها 600 ألف وثيقة رسمية عراقية، وعدة آلاف من سجلات استجواب مسؤولي نظام صدام حسين.
على أي أساس إذاً اعتُمدت لازمة تورُّط العراق وصدّامه بـ11 أيلول؟ حصل ذلك إثر كشف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» وثيقة مزعومة تشير إلى وجود علاقة بين تنظيم «القاعدة» وصدام حسين في تنفيذ هجمات 11 أيلول. ظهرت الوثيقة، ثم اختفت. أين؟ قلّة يعرفون. لكن الكاتب الأميركي، رون ساسكيند، ادعى أنه يعرف الحقيقة، فنشر كتاباً بعنوان «الطريق إلى العالم»، وقال فيه إن البيت الأبيض هو من أصدر الأوامر بفبركة نص الرسالة المفترض أن تكون موجهة من رئيس جهاز الاستخبارت العراقية في حينها، طاهر جليل حبوش، إلى صدام حسين. وبما أنّه لا مسؤولية جنائية في العمل السياسي، فإنّ أركان إدارة بوش لا يترددون بتأليف كتباً تتضمن اعترافات بخفة اتهام العراق أو صدام حسين بالتورط في هجمات الخريف الأميركي. آخر البدع كانت لوزير الدفاع الأسبق، دونالد رامسفيلد، الذي تنافس لأشهر حول مَن يمكنه اتهام العراق أكثر بهجمات أيلول، وذلك مع كل من نائبه بول وولفويتز ونائب الرئيس ديك تشيني ومستشاره لشؤون الأمن القومي لويس ليبي وريتشارد بيرل والمدير السابق لـ«سي آي إيه» جيمس وولسي، ورئيس مركز السياسات الدفاعية فرانك غافني والغني عن التعريف وليام كريستول وآخرين. هؤلاء كانوا أبرز أسماء سارعوا، بعد مضي أقل من 5 ساعات على هجوم البرجين، إلى التحدث عن علاقة مباشرة بين العراق وجزّاره من جهة، و11 أيلول من جهة أخرى. لكن تقارير كثيرة تجزم بأن رجلَين كانا عرّابي ضرب العراق انتقاماً لـ11 أيلول: تشيني، وولفويتز قبل أي شخص آخر، حتى قبل رامسفيلد الذي اتهم كلاً من العراق وليبيا والسودان وإيران بالتورط. الاعترافات المتأخرة شملت الجميع، من بينهم تشيني، الذي هوّنها على نفسه وقال في 2009: «لم أر أي دليل يؤكد تورط صدام حسين بهجمات 11 أيلول. أشارت تقارير إلى تورطه في وقت ما، لكن تبين في نهاية المطاف أنه ليس كذلك».
وأمام التساقط في الإصرار على المهزلة في تبرير الاحتلال، ظهرت الوثيقة الذهبية، التي أعفت الجميع من التحليل في منطق ارتباط صدام ونظامه بهجمات أيلول من عدمه. إنها إعلان مبادئ «مشروع القرن الأميركي الجديد» عام 1997 الذي وقعت عليه 25 شخصية بارزة من المحافظين الجدد، منهم رامسفيلد وولفويتز وتشيني وليبي وآخرين من رموز إدارة بوش زمن النكبة الأيلولية. وفي مشروعهم ـــــ الإعلان، تشديد على ضرورة غزو العراق. ولأن رجال السياسة الأميركيين «تعرفونهم من عسكريّيهم»، تحدث الجنرال ويسلي كلارك في مقابلة تلفزيونية ضمن برنامج «واجهة الصحافة»، عن وجود «جهود منظمة خلال خريف عام 2001 لتحميل صدام حسين المسؤولية عن الهجمات وعن مشكلة الإرهاب».