دعوى قضائية في محكمة مانهاتن تتهم إيران وحزب الله بالضلوع بالتخطيط لعملية الحادي عشر من أيلول 2001. هذا هو العنوان الجديد لمرحلة الذكرى العاشرة للعملية التي لا تزال آثارها حاضرة إلى اليوم. معلومات أوردها محلّل الشؤون الاستخبارية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين برغمان، في تقرير نشر أمس. ويفيد التقرير بأنّ الدعوى، التي قدّمتها عائلات الضحايا إلى المحكمة في منهاتن في نيويورك، تتضمن «معلومات سرّية» تشير إلى أنّ تنظيم القاعدة «لم يعمل وحده»، لكن «تمّت مساعدته من أجهزة الاستخبارات الإيرانية». ويكشف برغمان، الذي استُدعي كشاهد خبير إلى المحكمة، عن معلومات تدور في أروقة المحكمة عن «العلاقة السريّة بين تفجير البرجين وإيران» وكيف «أنّ بصمات حزب الله تبدأ بالظهور». وبحسب التقرير الصحافي الإسرائيلي، ظهر الموضوع في أعقاب توجّه آلين ساراسيني، زوجة أحد قادة الطائرات التي استخدمت في الاعتداء، إلى المحامي توم مالون، الذي جمّع عدداً من الاختصاصيين القانونيين، والمحققين من أجل أن يفحص «من تستطيع ساراسيني أن تقاضي». وبحسب الصحيفة، واصل طاقم مالون التحقيقات، وقد التقى بعدد من الشهود الممكنين. وتمكن من التقاء العديد من عناصر استخبارات ووكلاء «سي آي إيه»، وقاضٍ فرنسي وغيرهم. وكانت إسرائيل أيضاً بالصورة. وبحسب التقرير، فإنّ مالون وطاقمه، وبعد عشر سنوات، مقتنعون بأنّ لديهم معلومات «تربط إيران وأحداث الحادي عشر من سبتمبر».
عنوان الدعوى يقول: «بين أيدينا أدلّة ذات معنى. إن المسؤولية عن التفجيرات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول لا تقع فقط على تنظيم القاعدة، بل على أكتاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتنظيم حزب الله». وزاد العنوان: «الأدلة تثبت أن إيران زوّدت القاعدة بمساعدات ذات معنى، منذ بداية سنوات الـ90، ومساعدات ذات معنى قبيل التفجيرات في مركز التجارة العالمي والبنتاغون والهدف الرابع في داخل العاصمة واشنطن». وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنّ الموضوع نُقل إلى المحكمة، حيث يتضمن الملف العديد من الشهادات، منها سرية، لـ«ثلاثة عناصر فارين» من الاستخبارات الإيرانية وحرس الثورة.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، المستندة إلى المواد التي جمعها مالون، فإنّ منذ سنوات التسعين ساعدت إيران زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري في خلق «جسم إرهابي» جديد برئاسة «متخرجي أفغانستان والجهاد الإسلامي المصري». وبحسب ذلك الادعاء، دربت إيران عناصر التنظيم و«زودتهم بوسائل تكنولوجية ذكية، وقدرة على حرية الحركة، ومعلومات إرهاب كثيرة راكمها تنظيم حزب الله في عملياته ضد إسرائيل والولايات المتحدة». وتدّعي الدعوى كذلك أن «إيران ساعدت فعلياً في التحضيرات قبيل 11 أيلول».
وتتضمن الدعوى أيضاً شهادات لمسؤولين في «سي آي إيه» أُرفقت بالملف القضائي، وهي أنه في كانون الأول 1991، وصل كل من الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني ووزير الاستخبارات علي فالحيان وقائد حرس الثورة محسن رزاي، بالإضافة إلى رئيس الذراع العسكرية لحزب الله، عماد مغنية، إلى السودان. وبحسب الصحيفة، فإنّ المذكورين «التزموا»، بالتعاون مع النظام السوداني، «مساعدة حركات جهادية إضافية في الشرق الأوسط». وبحسب المواد، التي يتضمنها ملف ساراسيني، بدأت العلاقة بين إيران والقاعدة مطلع التسعينيات في السودان. ويدعي برغمان أن في تلك الفترة، تحولت السودان إلى المكان الثاني الذي يسيطر عليه «الإسلام المتطرف» تحت قيادة حسن الترابي. وبحسب التقرير، إيران عرضت على السودان مساعدات نفطية في تطوير البنى التحتية، فيما تحول السودان «إلى نقطة عبور سلاح إيرانية إلى جماعات إسلامية متطرفة».
في عودة إلى دور إسرائيل في الموضوع ذاته، يعود برغمان ليكشف أنّه «عندما تبين أن السودان متجه ليكون ساحة إرهاب حديثة، بدأت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والموساد والشاباك تشغيل مصادر إنسانية وإلكترونية». وأضاف أن «ملف المعلومات الذي جمع في السودان حتى عام 1996 أطلق عليه في إسرائيل «سنافر زرق»، ويحتوي على كنز معلومات عن كيفية تبلور نواة في السودان، النواة التي ولد منها الجهاد العالمي».
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنّ محامي ساراسيني طلبوا من الحكومة الإسرائيلية إعطاءهم هذا الملف، وردّ الإسرائيليون بأنّ ذلك الملف الاستخباري أعدّ بمساعدة «طرف أجنبي»، وفقط بتصريح منه ممكن إعطاؤه إلى أحد. إلا أنّ هذا التصريح، بحسب برغمان، لم يمنح بعد. وبحسب برغمان، استطاعت الاستخبارات الإسرائيلية أن تكشف في تلك الفترة عن «علاقات وثيقة» بين «جماعات إرهابية إسلامية مصرية»، و«قسم 15» في الاستخبارات الإيرانية. وبحسب برغمان، أشار الموساد الإسرائيلي إلى «قائد إرهاب مركزي في السودان يدعى أيمن الظواهري، نشيط في الجهاد المصري، أنهى محكوميته لضلوعه في اغتيال السادات».
وبحسب برغمان، وجد الظواهري ملجأً له في السودان، وأنه في عام 1991، زار الظواهري إيران سرّاً، وطلب مساعدة الإيرانيين لـ«تنفيذ انقلاب في مصر». في نهاية الزيارة، اتُّفق على عدد من «خطوات المساعدة» من القسم 15 في الاستخبارات الإيرانية لتنظيمه. وبحسب برغمان «بعث الظواهري كثيرين من رجاله للتدرب في معسكرات إيرانية، وبالأساس عند عناصر من حزب الله في لبنان تحت إشراف عماد مغنية».
ويرى برغمان أنّ الحدث المهم وقع في السابع من تموز عام 1995، في اديس ابابا. حين هوجم موكب الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وبحسب برغمان، كان الهجوم على مبارك العملية الأولى لما يسمى «الجهاد العالمي»، واتهم مبارك إيران بمحاولة الاغتيال. ويقول التقرير الإسرائيلي: «من وراء الكواليس، طلب المصريون من السي آي إيه مساعدة في التحقيق. وقد أعلن الاميركيون فرضية، هي أن العملية خرجت من السودان». وقال برغمان إنّ الأميركيين كانت معلوماتهم قليلة في السودان، لذا توجهوا إلى الإسرائيليين. ولخص الإسرائيليون بواسطة قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية في ملف نُقل إلى الـ«سي آي إيه» والاستخبارات المصرية. وبحسب برغمان «اعتقد الكثيرون في الولايات المتحدة ومصر أن الإسرائيليين يتخيلون، والسبب هو أن الإسرائيليين رأوا أن الذين حاولوا اغتيال مبارك كانوا مواطنين مصريين، خرجوا من السودان إلى إثيوبيا بدعم وتمويل إيراني».
وقال برغمان إن التحقيق الإسرائيلي تواصل، وبدأ يظهر اسم أسامة بن لادن. وإن بن لادن انضم إلى الظواهري، وكان أيضاً شريكاً في محاولة اغتيال مبارك. وربطت الاثنين صداقة كبيرة. وبحسب برغمان، «في أعقاب تأثير هذه الصداقة، قرر بن لادن أن يرسل عدداً من مساعديه إلى تدريبات في إيران وفي معسكرات تابعة لحزب الله في لبنان».
ويتحدث برغمان عن أن طاقم مالون حصل على آلاف الوثائق التي توثق كيف ساعدت إيران القاعدة على التحول إلى تنظيم إرهابي ناجع وقاتل على مدار سنوات التسعين. ويقول إن هذا يكفي للقانون الأميركي لتقديم دعوى ضد إيران. إلا أن مالون أراد أكثر، ويريد أن يقدم وثائق «إثبات لتورط مباشر لإيران». ومن خلال المواد التي جمعت من أجل القضية، تبين أن هناك ثلاثة فارين من الاستخبارات الإيرانية. وبحسب برغمان، تمت شهاداتهم بتصوير فيديو لساعات شرحوا من خلالها مسيرتهم الطويلة وانضمامهم إلى الاستخبارات الإيرانية. وتحدثوا أيضاً عن «العلاقة بين إيران (وحزب الله) والقاعدة».
الشاهد ايكس، تحدث عن المعرفة المسبقة لإيران ببرنامج تحطيم طائرات ركاب في قلب أهداف استراتيجية في واشنطن ونيويورك. وقال إنه كان حاضراً في تدريبات «لإرهابين سنّة» في قلب إيران. وتحدث الشاهد الثاني عن وجود عماد مغنية في تدريب مختطفي الـ11 أيلول وعلى الملجأ الذي منحته إيران للقاعدة بعد العملية. وقال آخر إنه كان حاضراً في عدد من الجلسات التي أُديرت في طهران بين القاعدة واستخبارات إيرانية ورجال عماد مغنية قبل شهور من التفجيرات.
اثنان من المسؤولين السابقين لـ«سي أي إيه»، لوبز وتاباس، يقولان في توصيتهما الشخصية إن «عماد مغنية، الإرهابي الأخطر في العالم في حينه، وكيل لإيران ومسؤول في حزب الله، نظّم العبور الدولي لجزء من مختطفي الحادي عشر من أيلول، من إيران ولبنان والسعودية وأفغانستان وإلىها، ويمكن أيضاً إلى أماكن أخرى». وأضافا أن «هذا الدعم سمح بتنفيذ جانبين مهمين في خطة الهجوم، الأول يتعلق بإجراء تدريبات متواصلة للخاطفين في أفغانستان وإيران والحصول على تأشيرة دخول أميركية، والثاني يتعلق بالدخول إلى الولايات المتحدة».



التعرّف إلى الضحايا مستمرّ

في مختبر بوسط حي منهاتن، لا يزال خبراء الطب الشرعي يعكفون بعد مرور عشر سنوات على هجمات 11 أيلول/سبتمبر على التعرف إلى هوية ضحايا هذه الهجمات الذين لم يجرِ التعرف إلى نحو 40% منهم حتى الآن. وتقول الدكتورة ميتشذيلد برينتس مديرة إدارة الطب الشرعي في مدينة نيويورك لفرانس برس: «ليس لدينا أي التزام قانوني» بإجراء عملية التحقق من هوية الضحايا «لأنهم جميعاً لديهم شهادة وفاة».
وحتى اليوم حدد الأطباء الشرعيون هوية 1628 من 2753 شخصاً قتلوا في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في نيويورك، أي 59% من الضحايا.
وإذا كانت عملية تحديد الضحايا سريعة وسهلة في البداية مع استخدام الوسائل التقليدية مثل بصمات الأصابع والأسنان، وحتى الصور، إلا أنها أصبحت أكثر تعقيداً مع مرور الوقت، حيث لم تُحدّد هوية 1100 ضحية حتى الآن.
(أ ف ب)