... وأخيراً تنبه العالم إلى أن شعوباً في أفريقيا عموماً، وفي الصومال خصوصاً، مهددة بمجاعة ستفتك بها وتقضي على حياة ما يزيد على 12 مليون شخص، بعدما أعلنت الأمم المتحدة الصومال منطقة مجاعة، وحذرت من أن الخطر قد ينتقل إلى الدول المجاورة. دقت المؤسسة الدولية ناقوس الخطر وهرعت المنظمات الدولية، كالبنك الدولي وغيرها، إلى تقديم المساعدات المالية والغذائية، فيما تسابقت الدول الكبرى إلى عقد اجتماع «فلكلوري» في روما بداية الأسبوع الجاري لتأمين المساعدات اللازمة للدول المنكوبة، والتي تقدر بنحو 1.6 مليار دولار.
وسرعان ما أعلنت باريس، راعية الاجتماع والرئيسة الحالية لمجموعة العشرين، على لسان وزير زراعتها برونو لومير، فشل المجتمع الدولي في ضمان الأمن الغذائي. أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فلم يجد أمامه سوى التواصل مع الدول العربية النفطية لحثها على تقديم المساعدات المالية لمنطقة القرن الأفريقي، في محاولة لإنقاذ حياة ملايين الجياع المهددين بالموت.


القرن الأفريقي جائع
تشهد مجموعة دول في منطقة القرن الأفريقي موجة جفاف غير مسبوقة منذ سنوات، والأخطر منذ نحو ٦٠ عاماً، وضعت الصومال وكينيا وجيبوتي وإثيوبيا وأوغندا في دائرة «خطر المجاعة»، وستترتب عليها نتائج كارثية على المستوى الإنساني. الحرمان من الماء والغذاء يفتك بخلايا العضلات ويبقي الأعضاء الأساسية بالكاد تعمل، وفي هذه الأحوال يصبح انتشار الإسهال والطفح الجلدي، بالإضافة إلى الالتهابات الفطرية وغيرها أمراً مفروغاً منه، وتمسي الحركة مهمة صعبة ومؤلمة جداً وينتهي الأمر بمعظم الأشخاص إلى الموت جرّاء الجفاف، فيما يكون الشعور بالجوع أو العطش أمراً ثانوياً.
ويرجع العديد من المسؤولين في المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة الأمر إلى عوامل عدة أهمها، التفاوت في كميات هطول الأمطار وغيابها لموسمين متتاليين حتى الآن، والارتفاع العالمي في أسعار الغذاء، فضلاً عن التزايد الملحوظ في أعداد السكان وتضاؤل الموارد الطبيعية. وتقدر أعداد الأشخاص المهددين في كينيا بـ3.5 ملايين، أما في الصومال فهم 3.7 ملايين بينما تسجل إثيوبيا 3.2 مليون وأوغندا ٦٠٠,٠٠٠، أما جيبوتي فـ١٢٠,٠٠٠، وذلك بحسب إحصاء أجرته «شبكات المعلومات الإقليمية المتكاملة» (IRIN) التابعة للأمم المتحدة.

الصومال والكارثة الكبرى
منذ عام ١٩٨٤ لم تعلن الأمم المتحدة أياً من مناطق العالم رسمياً «مناطق مجاعة»، لأن مسألة الإعلان باتت منوطة بالحكومات المحلية، مع العلم أن كلاً من كوريا الشمالية والسودان وزمبابوي سجلت نوعاً من الاختراق على هذا الصعيد. وتعد حالة الصومال تحديداً «الأكثر تدهوراً» من بين دول القرن الأفريقي. فإلى جانب الجفاف الحاد والنقص الكبير في المياه والأمطار ومعاناة الصوماليين من تداعيات 20 عاماً من الاقتتال الداخلي وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية المستوردة، يعاني الصوماليون قلة فرص العمل الحقيقية في البلاد، ما يشكل استحالة في جني المال واستيراد الطعام، بالإضافة إلى تلف المخزون المحلي أيضاً.
ولكي يزداد طين الصوماليين بلّة، ترفض «حركة الشباب» الإسلامية، التي تقاتل الحكومة المركزية بهدف إسقاطها وتتركز سيطرتها في منطقة المجاعة أي جنوب منطقة باكول وفي منطقة شابيل السفلى، نقل المساعدات إلى السكان، موضحةً أن «ما يعانيه الصومال ليس مجاعة بل جفاف»، واضعةً هذه المساعدات في خانة «التدخل السياسي الغربي في البلاد».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحركة المتطرفة منعت منذ سنتين منظمات إنسانية رئيسية عدة، مثل برنامج الأغذية العالمية، من العمل في المناطق الخاضعة لها، كما أنها تفرض شروطاً صارمة للغاية على تلك القليلة العاملة ضمن نطاق سلطتها. وهكذا يكون نحو 2.2 مليون صومالي خارج نطاق المساعدات الغذائية، وفق ما أكده مسؤولون في تلك المنظمات. وبعدما سمحت الحركة لبعض هذه المنظمات بالعمل «جزئياً» على الأرض عادت لتتراجع عن قرارها، زاعمةً أن هذه الوكالات وتحديداً برنامج الغذاء العالمي هي «أجهزة تجسس» وتهدف إلى «نشر الكفر والعمالة» بين أبناء الوطن الواحد. كذلك أكدت الحركة أنها لن تعطي التراخيص إلا للمنظمات التي تتأكد أنها لا تملك «أهدافاً خفيّة»، فيما سعى برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى الالتفاف على هذا الحظر من خلال اقامة جسر جوي ونقل الأغذية جواً أمس إلى العاصمة الصومالية للمرة الأولى منذ بدء المجاعة. وعلى الرغم من الدور السلبي الذي تلعبه حركة الشباب الصومالية في منع ايصال المساعدات معطيةً لنفسها الحق في تعريض حياة ملايين الأشخاص إلى هذا الخطر الكبير، فإن مشاهدة عشرات آلاف من الصوماليين من النساء اللواتي يحملن بأيديهن أمتعة صغيرة والأطفال النحيلين جداً والمصابين بالهزال، الذين أتوا إلى الحدود الصومالية ـــــ الإثيوبية وآخرين ممن انتقلوا من مناطق الوسط إلى العاصمة مقديشو بحثاً عن الماء والغذاء، تُبرز إلى الواجهة مسألة شعارات «العدالة والمساواة ومحاربة الفقر» التي تحمل لواءها الدول الكبرى عامةً، والولايات المتحدة خاصةً. فإذا كانت هذه الدولة العظمى حريصة على مكافحة «الإرهاب» أينما حلّ وترصد ميزانيات ضخمة لأجل هذه الغاية، فلم لم تستفق قبل ذلك؟ قد تكون «حركة الشباب» مسؤولة عن هذه الحالة المأساوية، إلا أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على دول تفاخر بسعيها الدائم إلى مكافحة الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية ولا تكلّف نفسها جزءاً بسيطاً مما هي مستعدة لدفعه في سبيل التسلح، كالولايات المتحدة التي أنفقت على حربها على «الإرهاب» ما يقارب الـ4 تريليون دولار، حسبما أكدت صحيفة الـ«واشنطن بوست» الأميركية، فيما تتعرض شعوب كثيرة إلى أبشع جريمة انسانية على الإطلاق.





«حركة الشباب» الإسلامية

على الرغم من أن تأسيسها يعود إلى عام 2004، بدأ صعود «حركة الشباب» الإسلامية في الصومال في نهاية عام ٢٠٠٦ عندما انهزمت المحاكم الإسلامية التي كانت متحالفة معها أمام مسلحي الحكومة الصومالية إثر التدخل الإثيوبي. وبعد انشقاقها عن قيادة المحاكم و«تحالف إعادة تحرير الصومال»، أواخر الـ2007، حرصت الحركة على تمييز نفسها عن الأطراف الاسلامية الأخرى سياسياً وتنظيمياً، لكنها خسرت التأييد الشعبي، والقبول لدى الأوساط الدعوية والدينية. دولياً، تصاعدت مخاوف الدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة من توسع رقعة انتشار الحركة لتشمل كينيا واليمن وما بعدهما، لا سيما بعدما أكدت الحركة أنها تحمل أيديولوجيا تنظيم «القاعدة»، وتبنت العديد من التفجيرات والعمليات الانتحارية. وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن الحركة التي يقودها حالياً الشيخ محمد مختار عبد الرحمن (أبو زبير)، مقسمة إلى ثلاث «وحدات جغرافية»، أولاها منطقة باي وبوكول، وثانيتها جنوب الصومال والعاصمة مقديشو، أما المنطقة الثالثة فهي بولتلاند وصوماليا لاند. وهناك من يضيف إلى هذه التركيبة منطقة رابعة تنحصر في وادي جوبا. أما عدد مقاتلي الحركة فيراوح في معظمعه بين 2٠٠٠ و3٠٠٠ مقاتل.