هي ابنة عائلة شيناواترا الثرية المعروفة في تايلاند، وحفيدة أميرة، وصاحبة أعمال وسياسيّة محنّكة وأمّ وزوجة. هي شقيقة زعيم سابق مخلوع ومنفي... لكنها «الجميلة أبداً» (كما يعني اسمها) التي أحبّها فقراء تايلاند وعمّالها ومهمّشوها.
هي ينغلوك شيناواترا، أول رئيسة وزراء تايلاندية، التي أتمّت منذ أسبوعين سنة نضج جديدة من عمرها، فبلغت سنّ الرابعة والأربعين. منذ أسبوعين لم تكن ينغلوك سوى مرشحة حزب «بوا تاي» الشعبوي، تخوض حملة انتخابية شرسة وتجول في أرجاء تايلاند الممزقة من شمالها إلى جنوبها، رافعة رايات حمراء وشعار المصالحة الوطنية.
الابنة الصغرى بين تسعة أولاد، التي اختارت العلوم السياسية تحصيلاً جامعياً بين تايلاند والولايات المتحدة الأميركية، تربّت في جوّ من الأعمال والأموال والسياسة. والدها المنحدر من أصول صينية، دخل الحياة السياسية التايلاندية قائداً للحزب الليبيرالي ليخرج منها صاحب محلّ لبيع القهوة في شيانغ ماي حيث ولدت. ومع نموّ عائلة شيناواترا بدأت أعمال الوالد تكبر، فأنشأ صالتي سينما في مدينته، وامتلك محطة للوقود ومحال لتأجير السيارات والدراجات النارية وبيعها. ثروة العائلة حافظ عليها الأبناء، والحياة السياسية أعاد فتح أبوابها الشقيق الأكبر لينغلوك، تاكسين. أصبح الأخير أحد أهمّ رموز الحياة السياسية في البلد الآسيوي، حيث تبوّأ منصب رئيس الوزراء عام 2001. تاكسين الذي يتذّكره التايلانديون بأنه المسؤول السياسي الذي حسّن ظروف الطبقة الفقيرة وأعلى من مستوى معيشتها، أُخرج من السلطة في أيلول عام 2006 بانقلاب عسكري بعد اتهامات بالفساد واستغلال أموال الدولة لمصالح شخصية. تاكسين اختار أن ينفي نفسه إلى الصين ونيكاراغوا كي يحطّ أخيراً في إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة حيث يقيم لغاية الآن، بحسب مصادر صحافية.
«هل تعرفون تاكسين؟ أنا أكون شقيقته»، هكذا كانت المرشحة ينغلوك تعرّف عن نفسها عند اعتلائها منصّات جولاتها الانتخابية في المدن والبلدات التايلاندية. هي تدرك تماماً أن لشقيقها الدور الأكبر في وصولها إلى ما هي عليه اليوم، سواء في مجال الأعمال حيث ترأست إحدى شركات الاتصالات التي أسسها قبل منفاه، أو في السياسة حيث لا يزال يمتلك شعبية في أغلب الأوساط العمالية وبين الطبقات الفقيرة والمتوسطة، من دون أن ننسى حزب «بوا تاي» الذي يديره تاكسين سياسياً من منفاه.
«هي دمية يحرّكها شقيقها» يقول معارضو ينغلوك السياسيون، بينما يفضّل تاكسين عبارة «هي استنساخ عن شقيقها» كما وصفها في أحد تصريحاته الإعلامية الأخيرة. بعض الانتقادات تطرقت أيضاً لعلاقتها بتمويل مجموعة «القمصان الحمر» التي دخلت في صراعات دموية مع السلطة وقوى الأمن العام الماضي. أما هي، فلم تكترث كثيراً بالألقاب التي أطلقت عليها، ولا ترى عيباً في أن يكون شقيقها الملهم والنموذج والراعي.
وبدل الردّ على خصومها واجهتهم بكلمات لطيفة فنجحت بإحراجهم. اعتنت الشابة التي أطلت على الحياة السياسية منذ أشهر قليلة، بكتابة خطاباتها الانتخابية محاطة بطاقم سياسي كبير ووظفت أموالها في حملاتها وجولاتها على المناطق الفقيرة والمدن الصناعية والأحياء المهمّشة والضواحي المنسية... ثم لبست حجاباً أحمر وتوجهت إلى الجنوب مخاطبة المواطنين المسلمين بكلمات التسامح والمصالحة والوحدة. وعدت ينغلوك أهل الجنوب بتطوير مناطقهم وإنمائها وجعلها كبانكوك من حيث النشاط الاقتصادي وتطوير ظروف الحياة. هي اعترفت لهم بأنها تؤمن بالتغلّب على العنف من خلال تحسين الظروف الاجتماعية كالتعليم والصحة والخدمات والإنماء المتوازن... وأقسمت على تحقيق وعودها تلك.
«أريد أن تمنحوني ثقتكم، أعطوني فرصة لأثبت نفسي أمامكم»، أطلّت المرشحة الشابة تخاطب المواطنين أينما حلّت، «بوجه جميل ملائكي من الصعب على منافسيها أن يؤبلسوه»، يقول أحد المعلّقين التايلانديين.
ويبدو أن «الجميلة أبداً» فازت بقلوب التايلانديين الذين صوّتوا للحزب الذي ترأسه، مؤمنين بإرثها السياسي وخطابها المنحاز إلى الطبقات المقهورة وأنوثة قد تنقذ البلد من الصدامات وتعيد الوحدة إلى المجتمع المنقسم.