للوهلة الأولى لم يتغيّر الكثير. كل العناصر والمشاهد التي تدلّل على الاستمرارية متوافرة. وظهور فيديل باللباس الرياضي في الجلسة الختامية لمؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي، وجلوسه بين شقيقه راوول الذي صار السكرتير الأول للحزب ورامون ماشادو الذي أصبح السكرتير الثاني، يساعدان في ترسيخ هذا الانطباع للوهلة الأولى فقط، لأن الأهم كان التصديق على التغييرات الاقتصادية الجارية من قبل الحزب الشيوعي.
وقد بدأت التغييرات قبل التصديق عليها، وهي التي يراهن عليها راوول ـــــ أكثر من الحزب الشيوعي ـــــ لإنقاذ الثورة ونقل البلد من محطة إلى أخرى. العبارات منتقاة: «الحفاظ على غلبة التخطيط الاشتراكي مع إعطاء مجالات أوسع للسوق والمبادرة الخاصة».
لا يشك أحد في أن الأهم هو كيفية إدخال الكلمات الأخيرة في الغلبة المنشودة. التفاصيل المقرّة تساعد في استيعاب الحاصل: الاستمرار بتوزيع الأراضي على الفلاحين الصغار مع تحاشي البيروقراطية التي ميّزت، وإلى حدّ كبير عطّلت، الآلية، إعطاء حق بيع السيارات والمساكن وشرائها. النقاش العام الذي يجري منذ أشهر أسهم في تحديد الوتيرة الممكنة، لأن الناس عبّروا عن قلقهم وتخوفاتهم، ومؤتمر الحزب كان الوعاء الذي سمح بتأطيرها وغربلتها وإعادة دمجها في الخطة العامة. خمس سنوات هي الفترة التي تحدث عنها راوول لعملية الانتقال التي ستتطلب صياغة تشريعات وتنظيم قطاعات... وتغيير العقليات.
خطاب راوول الذي افتتح به المؤتمر، والكلمة التي ألقاها قبل ختامه، يدلان على أن خشيته القصوى هي من أن يعطّل الحزب، أو بالأحرى العقلية السائدة في داخله، الإصلاحات. اليوم وقد أُقرّت التغييرات، فهو الجيل القديم الذي يضمنها. قبل أشهر، قال راوول «إن المؤتمر هو الأخير الذي سنحضره نحن جيل الثورة بسبب سُنّة الحياة... وعلينا تصحيح الأخطاء التي ارتكبناها». إذاً أين التجديد والتغيير؟ إنه يبدأ من التدبير الذي أُقرّ، وهو عدم السماح في أي موقع أساسي من الدولة والحزب بالبقاء أكثر من ولايتين، أي ما يساوي عشر سنوات. تركيبة المكتب السياسي التقليدية برّرها التأبد السابق في السلطة، الذي «منع بروز الكوادر الشابة التي تتمتع بالخبرة الكافية للتعاطي مع تعقيدات الوضع».
التجديد بدأ من اللجنة المركزية حيث تغيّر نصف الأعضاء من خلال إدخال النساء (أصبحن يمثلن أكثر من 40 في المئة من القيادة) والزنوج، وبالتالي النساء الزنجيات. في المكتب السياسي المقلّص، ثلاثة وجوه جديدة لا غير، امرأة... واقتصاديان يتمتعان بثقة راوول، ومن بينهم مارينو موريللو، وزير الاقتصاد، وربما الرجل الأهم اليوم في الظروف التي تمر بها كوبا.
الأزمة السياسية الكبيرة عالجها راوول مع الكنيسة الكاثوليكية وأدّت إلى الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين تقريباً. وإن كان من شيء إضافي في ذهن راوول، فلن يسرّ به قبل أن تقطع الإصلاحات الاقتصادية أشواطاً جديدة. ربما في الكونفرنس الذي سيجري في بداية السنة المقبلة، والذي وضع له عنوان كبير: فصل الحزب عن الدولة والحكومة. هناك ستناقش وسائل عمل جديدة وهيكلية جديدة... يمسك فيديل بيد راوول الذي يهزّ رأسه شاكراً انتخابه أميناً عاماً... يتحدث مرة أخيرة قبل ختام المؤتمر، يقول إن هذه «مهمتي الأخيرة»، ويعد الحاضرين بـ«الدفاع عن الاشتراكية وتحسينها وعدم السماح أبداً بالعودة إلى الرأسمالية». ويردف مباشرة بتصميمه على «عدم التراجع عن التغييرات الضرورية، والقيام بها بالوتيرة التي تتطلبها الظروف، من دون تهديد وحدة البلد». هذه جملة مفيدة، منتقاة أيضاً، وكل كلمة فيها تعيدك إلى خيارات يدري أنه سيكون عليه اتخاذها في الأشهر المقبلة، آخذاً في الاعتبار ما قاله في الأشهر الماضية: من جهة، «التغيير لم يعد ترفاً (...) وبدونه سنغرق»، ومن جهة أخرى، «الثورة تلتزم بألا تترك أياً من أبنائها على حافة الطريق». أنهى راوول كلمته وهو يردّد مرة أخيرة، كمن يريد أن يبقى صداه عالقاً في آذان مستمعيه: «القرارات هذه المرة هي للتطبيق».