بينما تزداد حدة المعارك بين أنصار «الرئيسين» العاجيّين لوران غباغبو والحسن وتارا، ارتفعت شكاوى لبنانيي أبيدجان، التي دخلها أنصار وتارا، من اعتداءات وسرقات ينفذها مسلحون، في ظل غياب الاهتمام الرسمي اللبناني

أزمة لبنانيّة في أبيدجان



منهال الأمين
«الشكوى لغيرك مذلة. يا شركة الشرق الأوسط لسنا متسولين. لن نقبل إجلاءنا مجاناً. شكراً 8 آذار. شكراً 13 ـــــ 14 آذار. شكراً جزيلاً، ها نحن فريسة المجهول وأنتم تقتسمون أجسادنا». عبارات يردّدها أبناء الجالية اللبنانية في ساحل العاج على موقع الفايسبوك، الذي لا يزال متنفساً لهم حتى يطمئنوا بعضهم إلى بعض.
هي حسنة تحسب لتلك البلاد على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تمر بها حالياً، إذ لا تزال خدمات الاتصالات بكل أنواعها متوافرة حتى الساعة، لكون الشركات التي تدير هذا القطاع هي شركات فرنسية، كما يلفت سامي العلي، في اتصال مع «الأخبار»، الأمر الذي سهّل للمقيمين، وبينهم نحو مئة الف لبناني، التواصل بعضهم مع بعض داخل ساحل العاج، وكذلك مع أهاليهم الذين ينتظرون أخبارهم على أحرّ من الجمر، وخصوصاً بعد تصاعد أعمال العنف والعمليات العسكرية المتبادلة بين قوات «رئيسي» البلاد، لوران غباغبو والحسن وتارا.
وفيما يستبشر البعض بدخول الثوار، فإن البعض الآخر يعدّ دخولهم كارثياً، بسبب الميليشيات والمسلحين الذين يسبقونهم لإجراء عمليات «تطهير»، بحسب تعبير العلي، وهم من جنسيات أفريقية مختلفة، يعملون مرتزقة يستعين بهم كلا الطرفين. وبات هؤلاء يدهمون المنازل، فيصادرون ما خف وثقل، من أموال وسيارات وأثاث وأجهزة كهربائية، وحتى البرادات أفرغوها من محتوياتها. وما يحصل مع العلي في سان بيدرو الساحلية، يتكرر في الدلوة (500 كيلومتر شرق العاصمة) في منطقة البر العاجي، وهي مسقط رأس غباغبو وتعدّ مركز ثقل عسكرياً له، على نحو أكثر ضراوة، حيث يصف خليل سلوم ما حصل معه بأنه كان اختباراً على الموت «حتى الموت كنا نظن أنه أسهل مما عايشناه هنا».
ويروي كيف أفشى سره جيرانه من السكان المحليين، وأعلموا هؤلاء المسلحين بوجود لبناني وحده في الشقة المقابلة، فانهالوا على باب المنزل تكسيراً وبدأوا بإطلاق الرصاص، فما كان «مني إلا أن احتضنت نسخة من المصحف وبدأت بتلاوة شهادة الموت»، يقول خليل، الذي فتح الباب فطلبوا منه الانبطاح أرضاً وتسليمهم كل شيء، وهكذا كان «أخذوا السيارة ونحو خمسة آلاف دولار أميركي، لكن المصيبة كانت بحضور مسلحين آخرين بعد رحيل المجموعة الأولى، ومطالبتهم بأموال أيضاً، فقلت لهم لم يبق إلا الأثاث، عليكم به، فهبوا الى البراد وأفرغوه من محتوياته».
ويروي العديد من اللبنانيّين أن جواً عدائياً يشيعه أولئك المسلحون الموالون للرئيس المنتخب المعترف به دولياً الحسن وتارا، تجاه اللبنانيين، الذين ينظرون إليهم على أنهم «موالون» للرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو، حتى إن البعض منهم يكيل الشتائم للبنانيين بمجرد الالتقاء بهم ولو مصادفة.
ويشير خليل سلوم إلى ليلة قاسية من القصف العنيف شهدتها مدينة دلوة ليل الاثنين الثلثاء الماضي، «وفوجئنا مع خيوط النهار الأولى بانسحاب الجيش الذي لا يزال بإمرة غباغبو من دون أي مقاومة تذكر». وتبين أن الأخير طلب من قواته الانسحاب الى أبيدجان، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث تركزت المعارك أمس في محيط القصر الرئاسي ومبنى الإذاعة التي استولى عليها الثوار، ثم استردتها قوات غباغبو بعد ظهر أمس.
وشهدت مناطق ماركوري والزون أربع عمليات نهب وسرقة لمحالّ اللبنانيين، كذلك اقتحم عدد كبير من المسلحين عدداً من المنازل، وروّعوا الأطفال والنساء، طالبين الحصول على أموال. ويؤكد ربيع تيراني أنه اضطر إلى استدانة أموال من أحد الأصدقاء حتى يتمكن من دفع ما يسكت هؤلاء المهاجمين «لأنهم لا يصدقون أننا نُهبنا من زملاء لهم». ويروي أنه شهد وعائلته ليلة رعب لا توصف، وكان يتحدث لـ «الأخبار» وهو يبكي، واصفاً دخول المسلحين الى منزله، وتصويبهم البنادق الى رؤوس الأطفال، وهو الأمر الذي دفعه الى الهروب من المنزل الى مكان أكثر أماناً. وأقدم المسلحون أمس على إحراق مؤسسة «الأوركا»، العائدة ملكيتها إلى اللبناني فخر الدين قعور، وهي من أكبر المجمعات التجارية في أبيدجان، وتقدر خسائرها بعشرة ملايين دولار أميركي. وأمس أيضاً أصيب اللبناني غالب حسين طعان، إصابات مباشرة بالرصاص والشظايا، وهو موجود في منزله في منطقة الكوكودي، ولم تتكمن الإسعاف من نقله الى المستشفى طيلة اثنتي عشرة ساعة، نزف خلالها كمية كبيرة من دمه، وكانت حالته مستقرة أمس كما أفاد والده لـ «الأخبار».
ووجه العديد من اللبنانيين، الذين اتصلت بهم «الأخبار» أمس، لوماً شديداً إلى كل المسؤولين اللبنانيّين والأجهزة الرسمية والأحزاب «الذين تركونا نواجه مصيرنا وحدنا». وخاطب تيراني رئيس الجمهورية ميشال سليمان قائلاً: «جيد أنك لم تنم حتى إجلاء 50 لبنانياً موجودين في اليابان، لكن ألا يستحق منك 100 الف لبناني محاصرين في ساحل العاج أيّ تحرك جدي». وناشد كثيرون عبر «الأخبار» وزارة الخارجية التحرك والتواصل مع الأمم المتحدة، الأكثر قدرة على التحرك في البلد للمساهمة في إجلاء اللبنانيين، الى مناطق أكثر أماناً، أو الى المطار، وخصوصاً أن السلطات فتحت المطار عصر أمس، إضافةً إلى التواصل مع القوات الفرنسية.
وفيما أكد الوزير علي الشامي في حديث لقناة «المنار»، امس، «أن السفير اللبناني في فرنسا بطرس عساكر أبلغه أنه التقى وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه الذي طمأن إلى أن هناك مساعدة مفتوحة منذ أمس من القوات الفرنسية في أبيدجان، وأكد أن أي لبناني هو مثل الفرنسي»، إلا أن ربيع تيراني أكد لـ «الأخبار» أن الفرنسيين يعمدون الى الاستعانة بملالات وحافلات لنقل رعاياهم، وبعض اللبنانيين من حاملي الجنسية الفرنسية. وكذلك قال زيكار كريديه إنه أجرى اتصالاً بالقوات الفرنسية، فجاءه الجواب إنهم لا يجلون اللبنانيين.

■ ■ ■

قوّات وتارا تهاجم مقرّ غباغبو في أبيدجان



لم تهدأ المعارك التي شهدتها أبيدجان ليل أول من أمس بين قوات الحسن وتارا ولوران غباغبو. وفيما تبدو المعارك لمصلحة وتارا، دعت فرنسا والاتحاد الأفريقي غباغبو إلى التنحّي
احتدمت المعارك بين القوات التابعة لرئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران غباغبو، ومقاتلي خصمه الفائز في الانتخابات الحسن وتارا في أبيدجان، فيما طالبت فرنسا والاتحاد الأفريقي غباغبو بالتنحي.
وفي حي بلاتو الإداري (وسط) قرب القصر، ترددت طوال ليل أمس أصداء الرشقات الرشاشة والقصف بالأسلحة الثقيلة، واهتزّت جدران المباني من شدّة بعض الانفجارات، فيما خلت الشوارع من المارة ولزم السكان منازلهم. وكان الوضع مشابهاً في حي كوكودي الراقي (شمال) قرب المقر الرئاسي. وقال أحد السكان إن «القصف لم يتوقف. رجال غباغبو يقاومون في كل مواقعهم»، مضيفاً «نسمع دويّ قصف مدفعي عنيف وقاذفات صواريخ من نوع أر بي جي ورشاشات ثقيلة».
واستولى أنصار وتارا على العاصمة السياسية ياموسوكرو (وسط)، وسان بيدرو (جنوب غرب)، أكبر مرفأ لتصدير الكاكاو في العالم. كذلك، أعلنت القوات الموالية لوتارا أنها استولت في بداية المعارك على التلفزيون الرسمي «أرتي آي»، رمز النظام، فحرمته بذلك من وسيلة إعلامية ـــــ سياسية. وفي السياق، قال متحدث باسم حكومة وتارا، باتريك أتشي، إن القوات الموالية له اشتبكت مع قوات منافسه بعدما هاجمت مقر الرئيس المنتهية ولايته، وسيطرت على التلفزيون الحكومي. وأضاف «منزله يتعرض للهجوم. هذا مؤكد. هناك مقاومة لكن الهجوم مستمر»، مشيراً إلى أن «غباغبو لم يظهر أي علامات استسلام».
وكانت قوات وتارا، الذي يعترف به المجتمع الدولي رئيساً لساحل العاج، قد دخلت أبيدجان أول من أمس، بهدف طرد غباغبو الذي يرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 تشرين الثاني الماضي.
سفير أفريقي في باريس رفض الكشف عن اسمه، كان قد أعلن أن قوات وتارا تتلقى دعماً فرنسياً عبر حدودها الشمالية مع فولتا العليا، حيث عيّنت باريس أخيراً سفيراً جديداً لها في واغادوغو هو الجنرال إيمانويل بيت، الذي كان قائداً للقوات الفرنسية «ليكورن» المشاركة في القوات الأممية في ساحل العاج.
ومع تعرض المدينة لأعمال العنف والنهب والسلب، نُقل 150 من الرعايا الفرنسيين و350 أجنبياً من جنسيات أخرى، منذ مساء أول من أمس إلى معسكر بوربويه التابع لقوّة ليكورن الفرنسية في أبيدجان، كما ذكرت رئاسة أركان الجيوش الفرنسية في باريس، فيما أعلنت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في ساحل العاج ومصدر أمني أن مسؤولة سويدية في البعثة قتلت برصاصة طائشة أثناء معركة بالأسلحة في أبيدجان.
في هذا الوقت، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إنه يتعين على غباغبو التخلّي عن السلطة لوقف المزيد من أعمال العنف في البلاد. وأضاف «كلما أسرع غباغبو في الرحيل كان توقف العنف أسرع»، مضيفاً أنه «غير معني بمكان اختباء غباغبو».
بدوره، طالب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، جان بينغ، غباغبو «بالتخلّي فوراً عن السلطة» لخصمه «للتخفيف من معاناة العاجيين».
لكن مندوب غباغبو في باريس، توسان آلان، استبعد «تنحّي أو استسلام» الأخير. وقال إن غباغبو «لا ينوي التنحّي أو الاستسلام لأيّ متمرد»، مندّداً بـ«الانقلاب» الذي ينفّذه خصمه وتارا. وردّاً على سؤال عن مكان غباغبو، قال «إنه في ساحل العاج لكن لا أريد أن أقول لكم بالضبط أين هو»، مؤكداً أنه «يجري اتصالات منتظمة بغباغبو والمحيطين».
وكان رئيس حكومة الحسن وتارا، غيوم سورو، قد أعلن مساء أول من أمس أنه «يجب على غباغبو أن يستسلم لتجنب حصول حمام دم. نأمل أن يستسلم، وإلا فسنلاحقه في أي مكان. وإذا ما استقال، فحسناً يفعل، وإلا فسيحال على القضاء الدولي».
في هذا الوقت، طالب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتارا بكبح جماح قواته، مستنداً إلى تقارير غير مؤكّدة، تقول إن قواته خطفت مدنيين وأساءت معاملتهم. ولفت أيضاً إلى تقارير متفرقة تفيد بأن قوات غباغبو قتلت مدنيين. وذكر بأن الطرفين قد يمثلان أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقال المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، روبرت كولفيل، «لدينا تقارير غير مؤكدة عن انتهاكات خطيرة جداً ارتكبتها قوات جمهورية ساحل العاج، وهي القوات الموالية لوتارا، وخصوصاً في منطقتي جيجلو ودالوا في غرب البلاد». وشدّد على أنه «يجب ألا تحدث أعمال انتقامية. يجب على القوات أن تتحلّى بضبط النفس».
وتابع كولفيل أن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة «تلقّى أيضاً تقارير تفيد بأن ميليشيا موالية لغباغبو أحرقت مدنيين اثنين أحياء في جانوا، وأن ثلاثة على الأقل قتلوا في حي أبوبو، عدا آخرين قتلوا على أيدي قوّاته في الأيام القليلة الماضية»، فيما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أول من أمس أن آلاف الأشخاص قتلوا أو أصيبوا في أعمال العنف التي اندلعت في ساحل العاج بعد الانتخابات.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)