تشهد هايتي غداً الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، بعد مسار طويل ومتعرّج إثر عودة الرئيس المخلوع جان برتران أريستيد من منفاه في أفريقيا الجنوبية، الذي دام 7 سنوات، والرئيس السابق بابي دوك دوفالييه الذي حكم البلاد بعد والده من عام 1971 إلى عام 1986. دوفالييه عاد قبل أشهر بعدما دامت فترة غيابه نحو ربع قرن، وهو اليوم ممنوع من مغادرة البلاد. أما أريستيد، الكاهن السابق وأحد معارضي سلالة دوفالييه الأساسيين، فقد فاز مرتين بصناديق الاقتراع عامي 1991 و2001 وخُلع أيضاً مرتين، الأخيرة عام 2004. عاد الرجلان وسط دعم أنصارهما لانخراطهما مجدداً في الحياة السياسية، في مقابل مطالبة خصومهما بمحاكمتهما بتهم ارتكاب جرائم سياسية عدة. الفارق بين الرجلين يكمن في أن أريستيد يستطيع أن يؤثر على النتيجة الانتخابية المرتقبة أكثر من دوفالييه. لذلك، حاولت الولايات المتحدة ومعها فرنسا تأجيل عودته إلى بعد الدورة الثانية، إلا أنه وصل إلى أرض هايتي المنكوبة أمس، وليس معروفاً بعد إن كان سيدعو إلى التصويت للسيدة الاولى السابقة ميرلاند مانيغا، أو للمطرب الشعبي ميشيل مارتيلي، أو إذا كان سيمتنع عن الترجيح.
الواقع الذي نتج من سحب المرشح الموالي للرئيس رينيه بريفال، جود سيليستين، بعد مسار مرير واحتجاجات شعبية وضغوط منظمة الدول الأميركية، التي فضحت تزوير الدورة الأولى في تشرين الثاني الماضي، تمثّل في ترقية المطرب مارتيلي على المستوى الشعبي. وأدّى التجاذب المتزايد بين المرشحين الباقيين إلى صدور تحذير جديد من منظمة الدول الأميركية يحمّل المرشحين مسؤولية ضبط أنصارهما، وذلك بعد سقوط قتيلين واختفاء مواطن في آخر أيام الحملة الانتخابية.
وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن المطرب مارتيلي (51 عاماً) يتقدم بفارق ضئيل على مانيغا، متخرجة جامعة السوربون. ومع أن صدور النتائج قد يتأخر أياماً، بيّنت الحملة الانتخابية أن مارتيلي، «السياسي الهاوي»، كان قد أيّد الانقلاب العسكري الفاشي الذي خلع أريستيد بعد انتخابه الأول، وهو يتمتع بالقدرة على التواصل مع الناس. وقد استفاد من أسلوبه المباشر ويأس الناس أمام فساد السياسيين وتأييد دوفالييه له. أما مانيغا التي تنتمي إلى الطبقة السياسية، فتطمح إلى أن تكون السيدة الأولى التي تنتخب لترأس هايتي. وهي معروفة بنزاهتها وجديتها، وقد نفيت أيام دوفالييه وعارضت حكومات أريستيد وبريفال من دون تأييد الانقلابيين. وقد تستطيع اليوم استقطاب جزء من جمهور بريفال أو أرستيد، ونيل ثقة المانحين ورجال الأعمال ورهانهم على إدارة أكثر منهجية لجهاز الدولة.
في جميع الحالات، تبدو النتيجة غير محسومة، ويرجح أن تحصل مشاركة كثيفة، ما يجعل توجيهات أريستيد الانتخابية، إذا أعطيت، عميقة التأثير.
إلا أن المسرح السياسي على أهميته يبدو هزيلاً، إزاء تفسخ المجتمع والنظام العام وصعوبات توفير مقومات دولة بعد الكوارث التي نكبت هايتي، بدءاً بالزلزال ووصولاً إلى وباء الكوليرا.