طهران | لا شك في أن تاريخ الثامن من آذار قد انضمّ إلى التواريخ المفصليّة الخاصة بالجمهورية الإسلامية في إيران. ويُرجّح، إذا صدقت توقّعات البعض، أن يتحوّل هذا اليوم إلى نقطة تأريخ لما قبله وما بعده. ما حصل، ببساطة، هو الإعلان الرسمي لطلاق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مع منظومة المرشد آية الله علي خامنئي. صديقا العمر والنضال افترقا أخيراً.
سحب كلّ منهما يده من يد الآخر. يدان رأى الإمام الخميني أنهما ما دامتا متّحدتين فلن يُخشى أبداً على مستقبل الثورة.
عبارات صادمة استخدمها رفسنجاني وهو يعلن استقالته من رئاسة مجلس الخبراء يوم أمس، مرفقة بعدم نيّته الترشح. قالها بوضوح: «حان الوقت لكتابة مذكّراتي»، وذلك بعدما جدّد تأكيد التزامه ولاية الفقيه، موضحاً أنه ملتزم الثورة «ما دام فيّ عرق ينبض». قال إن «القائد هو بحسب موقعه والد للجميع، أما البعض فيحبّون أن يضعوه في تيّار معيّن». وأضاف إن «القائد ملك للجميع، وإذا كان هناك أحد يمكنه أن يوحّد الصفوف فهو القائد، ونحن بإمكاننا أن نساعده لكنه هو الذي يجب أن يفعل»، مشدّداً على أنّ «القائد عمود الخيمة. إذا أصيبت أي ناحية من الخيمة يمكن ترقيعها، لكن إذا سقط العمود تنهار الخيمة».
وتعهّد رفسنجاني عدم تولّي أي منصب رسمي، ترشحاً كما انتخاباً، وإن دعا المواطنين إلى المشاركة الكثيفة في كل انتخابات. وشدّد على أنه لا يريد فتنة داخل مجلس الخبراء، وهو لذلك لم يترشّح لرئاسته، مؤكداً أن «النظام الإسلامي يجب ألّا يستخدم العنف ضد مواطنيه، بل علينا أن نحافظ على الأصول الحقيقية للإسلام كي نحافظ على ثقة الناس ودعمهم للثورة». وقال إن «إصلاح المجتمع غير ممكن عبر القوة والتهديد. يجب أن يكون هناك ترويج للقيم لأن الإسلام دين التربية وليس دين العقوبات فقط»، مضيفاً إن «إحدى مشاكلنا هي أن الأشخاص وأركان الحكم يستغلّون موضوع القيادة. يقومون بأعمال على حساب القيادة ويدفّعونها الثمن، وإذا حصل خلاف أو تقصير، فمن أجل تعويض قصورهم، يصرفون من رصيد القائد».
ومع إنهاء رفسنجاني كلمته، انتخب مجلس الخبراء آية الله مهدوي كني رئيساً له بغالبية ٦٤ صوتاً لمدة سنتين، هي الفترة الباقية من عمر المجلس (ولايته 6 سنوات). كذلك انتخب آية الله محمد يزدي وآية الله سيّد محمود هاشمي شهرودي نائبين للرئيس، وآية الله محمد جنتي وآية الله درّي نجف أبادي أمينين للسر.
هي النتيجة الأولى لصراع تدور رحاه خلف الكواليس منذ نحو سنتين. نيران تستعر تحت الرماد منذ انتخابات الرئاسة لعام ٢٠٠٩، بدأت ألسنتها تلاعب الهواء. نقطة الانطلاق لم تكن في الموقع الخطأ الذي وقف فيه رفسنجاني في تلك الانتخابات، بل في الخطيئة التي ارتكبها في أعقابها. وقتها، أقدم أكبر هاشمي رفسنجاني على خطوة لا يزال يدفع ثمنها حتى يومنا هذا: عقد جتماعاً لمجلس الخبراء (٨٦ عضواً) حضره أكثر من ٤٠ منهم، ألقى فيهم كلمة فُهم منها أنها رسالة إلى المرشد علي خامنئي أشبه بتلويح بقدرة هذا المجلس على عزله. ومعروف أن جميع من حضر الجلسة، عدا سبعة محسوبين على رفسنجاني ،خرجوا من بعدها ليقولوا إنهم خُدعوا، وإنهم أحضروا من دون إبلاغهم بجدول الأعمال وما إلى ذلك. ومنذ ذلك الوقت، طُلب من رفسنجاني موقف واضح يحسم فيه خياره إلى جانب الوليّ الفقيه، والتوقف عن وضع رجل داخل النظام وأخرى مع المعارضة، على ما فعل منذ ذلك الوقت حتى اليوم.
صحيح أنه أدلى خلال الفترة الماضية بمجموعة من التصاريح التي تصب في هذا الإطار، مثل تلك التي حرّم فيها التظاهر خلافاً للقانون وأدان في أخرى تحركات المعارضة. لكنها مواقف، على ما أفادت شخصية بارزة في مجلس الخبراء، «أراد من خلالها الاحتفاظ بموقعه في رئاسة المجلس».
وصدرت خلال الفترة الماضية مجموعة من الإشارات، التي أريد من خلالها التوضيح لرفسنجاني أن هذه هي الفرصة الأخيرة له ليحسم مواقفه وإلا فهو مهدّد بإخراجه من النظام. الإشارة الأولى جاءت على لسان رفسنجاني نفسه الذي نُقل عنه قوله إنه «لما توجه إلى المرشد، كعادته، ليسأله رأيه في ترشّحه لإعادة تولّي هذا المنصب، جاءه الجواب لا مع ولا ضد، خلافاً للعادة، حيث كان يشجعه دائماً على خطوات من هذا النوع».
أما الرسالة الثانية فكانت مطالبة نحو ٦٠ عضواً من مجلس الخبراء آية الله محمد رضا مهدوي كني للترشح لرئاسته. والعبرة هنا في الشخصية التي اختيرت: رئيس جمعية العلماء المناضلين (روحانيات) التي تضمّ رجال الدين المنتمين لجميع التيارات والأطياف المحافظة. بمعنى أنه زعيم الحزب الحاكم في إيران. وهو الأرفع بين أقرانه في المرتبة الدينية، وحتى في السن، وهو ما جعله المرجع لحل أي خلاف داخل النظام، حتى خلافات المرشد مع رفسنجاني. ورغم موقعه هذا فإنه شخصية مقبولة لدى الجميع ولا تستفزّ حتى غلاة الإصلاحيين، وهو يرأس جامعة الإمام الصادق التي تخرّج فيها معظم مسؤولي الدولة.
وكان معلوماً منذ البداية، منذ أن اختير مهدوي كني لهذه المهمة، أن الغاية منها القضاء على رفسنجاني لكون هذا الأخير يكنّ كثير الاحترام له، ويدرك في الوقت نفسه أن من المستحيل أن يفوز عليه، وبالتالي فإنه سيفضّل عدم الترشح وفوز مهدوي كني بالتزكية.
وتقول مصادر قريبة من هذا الملفّ، عشية اجتماعات مجلس الخبراء، إن «المرشد لا يزال عند رأيه بالحفاظ على شعرة معاوية مع رفسنجاني، وخصوصاً أنه لا يزال يعبّر عن رغبته بالعودة إلى النظام وأدائه فروض الطاعة للوليّ الفقيه. لكن المشكلة أن القاعدة، من حرس وباسيج وأحزاب محافظة كفّرت برفسنجاني وتعمل على إسقاطه، بل بلغ بها الأمر المناداة بإعدامه علناً، للمرة الأولى من نوعها على قاعدة أنه شخصية ما عاد من الممكن الوثوق بها بعد كل الذي فعله». ولعل في لوائح الاتهام ضد مهدي هاشمي، الذي لا يزال هارباً في لندن، واستقالة شقيقه محسن من رئاسة مشروع مترو الأنفاق، والتضييق المتواصل على شقيقتهما فائزة، التي لا تزال تمارس هوايتها المفضلة في قيادة تظاهرات المعارضة وتحريضها ضد النظام.. ما يشير إلى ما سلف.
ومع ذلك، فإن هناك من داخل هذا الفريق من بقي يحذّر حتى اللحظة الأخيرة من أن «إسقاط رفسنجاني ليس بالخطوة البسيطة، بل هي عملياً تدفعه كلياً للارتماء بكل ثقله في صفوف المعارضة، وبالتالي إذا كان الخيار بين تذبذبه الحالي والعداوة المطلقة، فالأفضل أن يبقى الوضع على ما هو عليه». وتضيف «بالحد الأدنى، سيتحول رفسنجاني إلى ضحية، وشعبنا، مثل كل الشعوب، يتعاطف مع الضحايا».
في المقابل، لا تزال النظرية المستمرة منذ بداية الثورة لها أتباع، وهي أن خامنئي ورفسنجاني مثل «البازل»، «لا تستقيم الصورة إلا إذا جُمعا معاً»، وأن «إقصاءه عن النظام سيترك المرشد وحيداً وعرضة لأي مؤامرة يمكن أن تستهدفه». بل تذهب هذه النظرية أبعد من ذلك، إلى أن «رفسنجاني ظُلم، وأنه مخلص للإمام الخميني والنظام والثورة، لكنّ لديه بعض وجهات النظر المختلفة» وأن «المشكلة كل المشكلة في بطانته من عائلة ومحيطين مارسوا معه لعبة التبخير فاعتقد أن كل شيء على ما يرام». وتضيف أن «رفسنجاني أصبح هرماً ومريضاً، هذا الزعيم الخلّاق المليء بالمفاجآت لم يُبدع أي فكرة منذ ٢٠٠٥، باستثناء اتفاقه مع ملك السعودية عبد الله على التخلص من احمدي نجاد»، وأنه «لا يجوز أن ينتهي إلى هذه الحال».
الذين يدّعون الحياد في هذه المعادلة يقولون إن «التجربة أثبتت أنّ القائد (خامنئي) هو الذي حمى رفسنجاني في أكثر من مناسبة وليس العكس». ويضيفون «ليس من تقاليد الإيرانيين التصرف على هذا النحو مع شخص أعطى الكثير للثورة. كان من أقرب المقربين إلى الإمام، وأدى دوراً مركزياً في الحرب مع العراق، وله يعود الفضل في إعادة الأعمار. أصلاً كل المشاريع التي افتتحها نجاد بدأها رفسنجاني. وهو من استأنف البرنامج النووي الإيراني».
بناءً عليه، يقول بعض العارفين بشؤون إيران وشجونها إن «السبب الرئيس لهذا التضييق على المعارضة ليس الخوف منها بقدر المرحلة الحساسة التي يمرّ بها النظام في الداخل، إضافة إلى الضغوط الخارجية والعقوبات، وبالتالي فإن الوضع لا يتحمل أي أخطاء في الحسابات».
وتضيف أن رفسنجاني، في هذه الحالة، «سيخسر خلال الأشهر المقبلة أيضاً رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام لمصلحة آية الله شهرودي»، الذي يبدو واضحاً أن الحراك داخل النظام يتجه نحو إعداده لخلافة خامنئي. ولم يكن واضحاً ما إذا كان خطاب رفسنجاني يوم أمس قد استبطن استقالة تلقائية من رئاسة المجمع، بعد كلامه عن عدم نيته تولّي أي منصب رسمي.
وبخسارة رفسنجاني لرئاسة مجلس الخبراء، تكون نواة النظام قد خطت الخطوة الأولى نحو تكريس هزيمة الرفسنجانية، وتفتيت أتباعها في كل الدوائر بفعل الحملة التي شنّها الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ اليوم الأول لوصوله إلى الحكم. وتؤكد المصادر السالفة الذكر أن «ما يجري يعني نهاية الرفسنجانية، لا نهاية رفسنجاني الذي لا يزال يحتفظ باسمه، بما يمثله من زعامة عمرها عشرات السنين، فضلاً عن نهج، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، لا يزال يحظى بتأييد الكثير من البنى الاجتماعية في إيران».
وكانت الشخصية البارزة في مجلس الخبراء قد أفادت بأن «مجلس الخبراء يتنازعه تياران: الأول خبروي بمعنى مؤيد للحفاظ على المجلس بما هو جهاز مؤلف من خبراء مهمّتهم مراقبة عمل المرشد والتأكد أنه يستوفي المعايير المطلوبة بالولي الفقيه، وآخر يسعى إلى تسييس هذا المجلس، بمعنى إدخاله في الصراعات الفئوية الضيّقة أو إدخال هذه الصراعات إليه». وتختم بالقول إن «انتخابات مجلس الخبراء تأتي هذه المرة في آخر الشتاء. ومعروف أن وراء كل شتاء ربيعاً، والربيع آت لا محالة».



رسالة من نجاد للأسد

تلقّى الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، رسالة خطّية من نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد لم يُكشف النقاب عن محتواها. وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن مساعد أحمدي نجاد لشؤون التنمية والموارد البشرية، لطف الله فروزنده، سلّم الرسالة الى رئيس الوزراء محمد ناجي عطري الذي استقبله في دمشق. ولم تكشف الوكالة عن مضمون الرسالة.
وأضافت الوكالة أن عطري وفروزنده بحثا في «علاقات التعاون بين سوريا وإيران وآفاق تطويرها».
(يو بي آي)