باريس | لم يجد المحللون وصفاً لنتائج استطلاع الرأي الأخير، الذي جعل من اليمين المتطرف أول حزب سياسي في فرنسا، سوى القول إنه «زلزال». وقد شغلت أرقام الاستطلاع الأوساط السياسية كافة، وغطت على أخبار الثورات العربية، إذ لم يكن أحد يتوقع أن تتصدّر زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن النتائج وتحصد ٢٣ في المئة من توقعات نوايا التصويت للدورة الأولى، بينما يحل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ثانياً بالتساوي مع مارتين أوبري، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي بنسبة ٢١ في المئة.المعارضة تضع اللوم على ساركوزي في الوصول إلى مثل هذه النتيجة، على اعتبار أنه «يلعب في ملعب اليمين المتطرف»، كما أن قسماً كبيراً من محازبيه يرى أنه «يسَهِّل عمل الجبهة الوطنية» باللحاق بشعاراتها الشوفينية بحجة عدم ترك ميدان اهتمامات المواطنين وخوفهم، وهو ما دفع بعض نواب اليمين للبدء بالتفكير بـ«رجل ثالث» يحل محل ساركوزي.
وقد انكب خبراء على دراسة أرقام الاستطلاعات الأخيرة، وأعطوا عدداً من التفسيرات لتصاعد قوة اليمين المتطرف في فرنسا، منها «تقدم كل الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية في عدد من البلدان». وإضافة إلى الخوف من التطرف الإسلامي، وارتفاع عدد المسلمين المحافظين في أوروبا، يربط الخبراء بين تصاعد قوة اليمين المتطرّف وبين عوامل التباطؤ الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، الذي قاد عدداً من الفرنسيين إلى الانكفاء والالتصاق باليمين المتطرف وشعاراته.
وقد «دعمت» مارتين لوبن هذا الاستفتاء، في أول تعليق لها على قناة «iTV» التلفزيونية، بقولها «نعم أنا أحضر نفسي للفوز بالرئاسة»، وقارنت بين انهيار النظامين في مصر وتونس وبين «رغبة الفرنسيين في التغيير». وأضافت «أن من أسباب التقارب بين ساركوزي ومبارك وبن علي هو تشابه الأنظمة وطرق التفكير».
في المقابل، أشار المقربون من ساركوزي إلى أن نتائج الاستفتاء تبرز أهمية معالجة طروحات اليمين، وهو ما يفعله ساركوزي «لوقف تمدّد اليمين المتطرف»، فيما تتهم المعارضة اليسارية ساركوزي بأنه «يغذي» هذا اليمين بفتحه ملفات خطيرة «تفرّق المجتمع الفرنسي» لأسباب انتخابية عوضاً عن الاهتمام بالأمور المعيشية لمواطنيه.
لا يمنع أن هذه الأرقام قد «هزت المجتمع الفرنسي سياسياً»، وأثارت جدلاً كبيراً حول إمكانية وصول «يميني متطرف» إلى سدّة الرئاسة، وهو ما دفع بمؤسسة «هاري أنتر–أكتيف»، التي أجرت الاستطلاع على أساس تنافس أوبري مع ساركوزي ولوبن، إلى إعادته مرة ثانية من دون تكليف من أي جهة أو صحيفة، وهي لفتة استثنائية يتخوّف البعض من أن تزيد حظوظ مارين لوبن.