وصلت العدالة إلى 11 أيلول، أو إلى ما كان يعرف بـ11 أيلول قبل الهجوم على أبراج نيويورك في 2001. إنه 11 أيلول 1973 عندما قصف قائد الجيش التشيلي الديكتاتور أوغوستو بينوشيه مقر الرئاسة «لامونيدا»، حيث قرّر الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي مقاومة الانقلاب العسكري. في الواقع، تبحث العدالة حالياً عن ظروف وفاة سلفادور أليندي من ضمن البحث عن 726 قضية لخروقات حقوق الإنسان خلال حكم الدكتاتورية العسكرية. وفي هذه الحالة بالذات
، يصار إلى التدقيق في ظروف وفاة سلفادور أليندي، وهل كانت عملية انتحار أم نتيجة رشق رشاش أطلق عليه؟
«إنها مسؤولية جسيمة». هكذا علّق القاضي ماريو كاروزا الموكل بإلقاء الضوء على هذا الحادث، الذي شطر تاريخ التشيلي بين قبل وبعد. والمفارقة أن المسألة وصلت أمام القضاء خلال ولاية أول رئيس يميني منذ خروج بينوشيه من السلطة، وهو سيباستيان بينييرا. «لا فارق»، تعلق الناطقة باسم الحكومة، متابعةً: «سنحترم كل قرارات العدالة، وبالنسبة إلينا نحن الحكومة، نرى ضرورة التحقيق في جميع الحالات التي يجب التحقيق فيها». أما المدعية العامة التي وضعت لائحة الخروقات، فأضافت: «نريد أن يحقق القضاء بكل شيء لئلا يُقال بعد عشر سنوات إنّ هذه الواقعة أو تلك بقيت من دون تحقيق».
ومن إسبانيا قالت ابنة الراحل والعضوة في مجلس الشيوخ، الاشتراكية إيزابيل أليندي «حصل هجوم متعمد من القوات المسلحة، تآمروا لقلب الرئيس المنتخب وقصفوا مقر الرئاسة بوجود الرئيس وعائلات لاجئة». وتابعت «كانت خطتهم التصدي للرئيس وإذلاله والقضاء عليه جسدياً. وهذا ما تثبته بدون شك حوارات بينوشيه الهاتفية مع باقي المتآمرين... لدى العائلة اقتناع تام بقرار الرئيس أليندي الدفاع عن الديموقراطية في حياته، لكن المهم هو تثبيت الحقيقة». وأردفت «سأدعم العدالة بكل ما أملك من معلومات، وعلى الحكومة أن تفعل المثل».
بدورها، أشارت رئيسة لجنة أهالي المعدومين السياسيين أليسيا ليرا إلى أن «الرئيس أليندي تعرض لاغتيال، ولم يتركوا له مخرجاً ولا ملجأً، لذلك أيضاً تجب محاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة».
اختيار العبارات يعود لسببين: الأول أنه كان هناك تسليم عام بعد عودة الديموقراطية بأن الرئيس أليندي نظم المقاومة وألقى خطابه الأخير صباح الانقلاب فيما الطائرات تحلق فوق القصر، ثم اختلى ووجه الرشاش الذي أهداه له فيديل كاسترو إلى عنقه لئلا تذل الديموقراطية على أيدي المتآمرين عليها. السبب الثاني هو تحديد المسؤولية بغض النظر عن ظروف الوفاة. الرواية الأخرى التي تدعمها وثيقة صادرة عن مجلس الشيوخ الأميركي تتكلم عن خطة لقتل الرئيس، ومن ثم تقديم وفاته وكأنها نتيجة انتحار. الخطاب الذي ألقاه أليندي يفتح المجال للتفسيرين: بدأ أليندي كلامه قائلاً: «سأقدم حياتي للدفاع عن المبادئ التي تتمسك بها هذه الأمة...» وينهيه قائلاً: «إنها كلماتي الأخيرة، وأنا متأكد أن تضحيتي لن تذهب سدى وأنهم على الأقل سيتلقون عقاباً أخلاقياً على جبنهم وخيانتهم». هذا ما سيحسمه الآن القضاء التشيلي بالوقائع وبالحقائق.