أنقرة ــ فتحت الحكومة التركية على نفسها باباً جديداً لتسهيل عمل المعارضة العلمانية ضدّها، هذه المرة بسبب سعيها المزمن إلى تلبية الشروط القضائية للاتحاد الأوروبي. فبموجب تعديل قانوني جديد يجاري المعايير الأوروبية، قُيِّدَت فترة بقاء موقوفين أو متهمين في السجن من دون صدور أحكام ناجزة. وتطبيقاً لذلك، أُفرج عن 10 من أشرس قياديي «حزب الله التركي» ممن لُطِّخَت أياديهم بدماء نحو 188 شخصاً، بحجة أن هؤلاء أمضوا أكثر من 10 سنوات في السجن من دون أن يصدر حكم قضائي نهائي غير قابل للطعن في حقهم.وهنا، لعب تفصيل قضائي لمصلحة الموقوفين؛ معروف أنّ القضاء التركي يعاني نقصاً كبيراً في عدد القضاة وبطئاً أكبر في عمل المحاكم. لذلك، يقضي مئات الآلاف من الموقوفين فترات قياسية في السجن، بانتظار صدور الأحكام الأولية أو قرارات محكمتي الاستئناف والتمييز. وبحسب القانون الجديد الذي بدأ العمل به مطلع العام الجاري، لا يمكن إبقاء موقوفين قضاياهم تنظر فيها «محاكم خاصة» (قضايا إرهاب وجرائم ضد الدولة) أكثر من 10 سنوات، على أن يكون إخلاء سبيلهم مشروطاً بمنعهم من السفر وبإلزامهم بالتوجه يومياً إلى مراكز الشرطة للتأكّد من عدم هربهم.
وبعد الإفراج عن القياديين العشرة، قامت قيامة الأجهزة القضائية العليا، «حامية العلمانية وقيم الجمهورية»، وخصوصاً أنها لا تنظر جميعها نظرة إيجابية إلى معايير الاتحاد الأوروبي المفروضة على أنقرة. فأسماء المفرج عنهم بحد ذاتها مرعبة، أضف أن غضب الشعب التركي والسلطات القضائية ازداد برؤية مشاهد التجمُّع الشعبي الكبير الذي احتفل بالإفراج عن رموز «حزب الله التركي» عند الثالثة من فجر الاثنين أمام سجن مدينة ديار بكر.
ومن بين من أُفرج عنهم، أديب غوموش، المسؤول عن قتل 42 شخصاً، وهو طمأن المحتفلين به، فور تحريره، بأنّ «الله لن يدع أعماله وأعمال زملائه تمر من دون مكافأة». وجميع المفرج عنهم حُكموا بالسجن المؤبد عام 2009، إلا أنّهم تقدّموا بطلبات استئناف أو تمييز. ومن الصعب محو ذاكرة جرائم «حزب الله التركي» من وجدان الأتراك، والأكراد خصوصاً. فهذا الحزب، الذي لا علاقة له بتاتاً بحزب الله اللبناني، معروف بأساليب قتل وتعذيب مروّعة تعتمد على الشنق بطرق رهيبة.
ويتألّف هذا الحزب من أتراك أكراد، دعمتهم أجهزة «الدولة العميقة» أو عصابات «إرغينيكون» وفصائل من الجيش والشرطة التركيين في الثمانينيات، إما بالتغطية على عملياتهم أو بتمويلهم وتسليحهم، لكونه حزب يحارب «إلحاد» حزب «العمال الكردستاني». وفي التسعينيات، بات حجم هذا الحزب لا يُطاق بالنسبة إلى الدولة التركية التي أعلنت حملة كبيرة عليه، انتهت بالقضاء على جزء كبير منه.