بعدما انتُخب رئيساً للولايات المتحدة في تشرين الثاني 2008، وقبل أن ينصّب رئيساً، اتصل باراك أوباما بعضو مجلس الشيوخ، الجمهورية إيليانا روس ـــــ ليتينن، لكونها من أنشط الشيوخ في المجلس، لكنّها أغلقت الخط بوجهه مرتين؛ إذ اعتقدت روس أنّ إحدى الإذاعات المحلية تعدّ لها مقلباً. ولم تجبه إلا بعدما اتصل بها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، الديموقراطي هوارد بيرمان، يطلب منها الرد على الرئيس. هكذا بدأت العلاقة بين الرئيس وواحدة من أبرز مناوئيه اليوم، التي أصبحت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ
منذ يوم السبت، أي أحد أهم الفاعلين فيه. شخص سيعرقل عمل أوباما في السنتين الباقيتين من ولايته. إذ إنّ روس متشددة جداً في قضايا عدّة، ومعروفة بولائها الكامل لإسرائيل، ما يعرقل أي إدانة للمستوطنات. كذلك فإنها من أشد المعارضين لفيديل كاسترو، ودعت مراراً إلى قتله، وهي تعارض أي محاولة حالية لأوباما لتخفيف الحصار على الجزيرة الكوبية.
ولما كان لبنان وسوريا قد باتا «قضايا داخلية» في «البيت الأميركي»، فإنّ المرأة «صقر» حقيقي كان لها دور بارز في كل ما يتعلق بالملفين اللبناني والسوري منذ «زلزال» عام 2005 تحديداً. فروس ـــــ ليتينن تحدثت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بلسان مناوئي سوريا ودورها في لبنان، حاثّةً اللبنانيين على «عدم الخوف من حكومتهم الفاسدة التي فرضتها سوريا وإيران الإرهابيتين عليهم»، على حدّ تعبيرها في مقال نشرته في old national review توجهت فيه إلى اللبنانيين بعد انتخابات 2005 تحت عنوان «دعوا ثورة الأرز مزدهرة». كلام صُرف رسمياً في جميع المناسبات الدستورية الأميركية، حيث صوّتت ضدّ سوريا وإيران في كل قوانين محاسبة سوريا وإيران في مجلس الشيوخ، إضافة إلى كونها إحدى أبرز المتحمّسات للقرار الدولي الشهير 1559. كذلك فإن السيناتورة نفسها متخصصة في شؤون تسليح حزب الله «الإرهابي» من قبل إيران وسوريا، ولا تفوّت فرصة لتكتب عن هذا «الفعل الإرهابي» في المجلات والصحف الأميركية، ولا ترى طريقة لإعادة لبنان «باريس الشرق الأوسط» إلا من خلال نزع سلاح هذا الحزب.
وقبل أيام قليلة، تحديداً عندما عيّن أوباما روبرت فورد سفيراً لبلاده لدى سوريا بمرسوم، لم ترَ روس ـــــ ليتينن في الخطوة إلا «تنازلاً» أميركياً لمصلحة النظام السوري.
تكوّن وعي روس السياسي انطلاقاً من التأثيرات التي أحاطت بها خلال طفولتها. فهي ولدت في كوبا في 1952 لرجل أعمال غني، إنريكي روس. هذا الأخير هاجر إلى ميامي مباشرة بعد ثورة 1959، خوفاً على وضعه وثروته. شارك أفراد من عائلته في انقلابي الديكتاتور فولخانسيو باتيستا في 1933 و1952، لذلك لم يكن بإمكانه البقاء في كوبا بعد الثورة الشيوعية.
والدة روس تدعى أماندا أداتو، يهودية تركية الأصل (سفارديم)، وكان أهلها من الفاعلين بقوة في الوسط اليهودي الكوبي. ورغم أنّ أماندا تحوّلت إلى الكاثوليكية، لكن التأثير اليهودي بقي، لتصبح روس من أهم المدافعين عن إسرائيل والرافضين لتقديم واشنطن أيّ دعم مادي للفلسطينيين، حتى عبر الأونروا والسلطة الفلسطينية. كذلك فإنهّا معارض شرس لإيران وصوّتت مع كل القوانين ضدها في الكونغرس.
كذلك فإنّها لا تفوّت فرصة لانتقاد تركيا، مسقط رأس أجدادها. ورأت الشهر الماضي أنّ الحرية الدينية في تركيا تثير القلق، وأنّه لا تقدم فعلي في القضية القبرصية، ما أدى إلى مساندة «المجلس اليوناني ـــــ الأميركي» لها ولمواقفها. لكن هذا الموقف المتشدد من تركيا، لم ينعكس إيجاباً على علاقتها بالأرمن، إذ رغم وجودها في «تجمع القضايا الأرمنية في الكونغرس» لم تصوّت مرة واحدة مع أي قرار لإدانة تركيا بالمجزرة الأرمنية.
زوجة النائب السابق في مجلس نواب فلوريدا المحلي، ديكستير ليتينن، تحتفظ في مكتبها في مبنى الكونغرس في «الكابيتول» بصور يرسلها إليها عناصر خفر السواحل لمراكب المهاجرين الكوبيين غير الشرعيين، كما نقلت أخيراً صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية. روس قالت للصحيفة إنّه «يجب علينا أن نساعد إسرائيل ونظهر لها أننا نقف إلى جانبها». وأضافت أنّ محمود عباس وسلام فياض لا يريدان السلام، ويقلقها تمويل واشنطن لهما. وفي موضوع الأونروا، قالت إنّ الأموال التي تتلقاها الوكالة لبناء المدارس والمستشفيات هي دعاية مضادة لإسرائيل يجب وقفها.
إذاً، تتماشى روس مع الدعوة الجمهورية إلى خفض المساعدات للدول والمنظمات الدولية، عدا إسرائيل بالطبع، وهي تستطيع التأثير على هذا الموضوع من منصبها الجديد. واستطاعت أخيراً إسقاط مشروع لتجنب زواج الأطفال في دول العالم الثالث، خوفاً من استخدام الأموال المخصصة له لعمليات الإجهاض. كذلك فإنّها لا تنوي إعطاء السفير الأميركي في العراق جيم جيفري ما يطلبه من أموال. وقالت إنّها ستقترح على وزارة الخارجية خفض الإنفاق، وخصوصاً في ما يتعلق بأفغانستان والعراق، هي التي صوّتت مع الرئيس جورج بوش الابن حين قرر شنّ هذه الحروب.
وروس، العضو في الكنيسة الأسقفية الإنجيلية، مقربة جداً من «كنيسة السيانتولوجي» المثيرة للجدل (تؤمن بكائن فضائي يدعى كزينو وتدخّل الفضائيين في الحياة على الأرض) وتتلقى تمويلاً كبيراً من أعضائها.
لكنّ هناك جانباً ليّناً لروس، فهي تساند كلّ المشاريع التي تنادي بحقوق المثليين والمتحولين جنسياً في الكونغرس وتصوّت معها، لكن لأسباب شخصية. إذ إنّ ابنتها الكبرى أماندا ـــــ ميشال، غيّرت اسمها ليصبح رودريغو، ليتناسب مع ميولها/ ميوله الجنسية. لكن تقدمية روس وقفت عند هذا الحد في مساندة ابنها، فهذا الأخير، وهو مخرج ومنتج، معارض شرس للصهيونية، لكن لم يستطع أن يؤثر، ولو بنحو خفيف على صهيونية والدته.