بالعودة إلى فلسطين، يبتسم الدكتور موضحاً «أن مسألة فلسطين هي المسألة الأكثر أهمية في السياسة الخارجية للجهمورية الإسلامية، وكلام قائد الثورة، السيد الخامنئي، شديد الوضوح بهذا الشأن... وقبله كان الإمام الخميني الراحل قد أخرج قضية فلسطين من الدائرة العربية إلى الدائرة الإسلامية والعالمية، من خلال إعلانه يوم القدس العالمي. نحن في إيران نعلن أننا مستعدون لتسخير كل إمكاناتنا لمواجهة الكيان المحتل لفلسطين.
في قضية فلسطين لا يوجد لدينا أي تحفظ في المواقف، وهذا ما تعكسه المواقف الواضحة والحاسمة للخامنئي، الذي أعلن أن إيران تدعم أي مجموعة أو جهة أو فصيل يقاتل إسرائيل، بما في ذلك «حماس» و«الجهاد» وسائر فصائل المقاومة، وبالتأكيد حزب الله. وأقول إن دعمنا لسوريا اليوم مرده بالدرجة الأولى فهمنا أن ما يحصل هناك سببه الرئيسي شجاعة النظام السوري في دعم المقاومة في وجه إسرائيل».

■ أتيتم على ذكر حركة «حماس» في سياق الحديث عن تقديم الدعم، علماً بأن هناك لغطاً حول استمرار دعمكم لهذه الحركة تحديداً في أعقاب أحداث سوريا؟
نحن نتعامل مع جهات وحركات، لا مع أشخاص. «حماس» هي حركة جهادية تقاتل في مواجهة إسرائيل، وقد يحصل أن يكون هناك أشخاص في مسيرة ما يتخلّون عن الخط ويبتعدون عن النهج، لكن الخط والنهج يبقيان، تماماً كما حصل في إيران مثلاً عندما فرّ رئيس جمهورية سابق (أبو الحسن بني صدر) إلى الخارج، وأعدم وزير خارجية (صادق قطب زادة) بسبب تعامله مع أعداء الثورة... الموضوع الأساسي بالنسبة إلينا في حالة «حماس» هي مقاومتها لإسرائيل، والروح الجهادية التي تقف وراء ذلك. هناك حالتان: إما أن تكون مع إسرائيل أو ضدها، و«حماس» ليست مع إسرائيل، بل هي ضدها، وإذا افترضنا أن «حماس» أخطأت في بعض القضايا الإقليمية، فإننا نسعى إلى حلّ المشاكل معها بالحوار.


الإرهابيون في سوريا سيعودون إلى بلدانهم التي جاؤوا منها


■ في الانتقال إلى الملف النووي، هل يمكن القول إن لجنتكم باتت تتمتع ببعض أوقات الراحة في أعقاب توقيع الاتفاق بعد فترة الضغط التي كانت تعيشها خلال فترة المفاوضات؟
(ممازحاً) لا يوجد راحة في الحياة. صحيح، في اللجنة تغيّرت وتيرة عملنا، والتركيز تحوّل من بحث المفاوضات وتفاصيلها إلى تثبيت الاتفاق ومراقبة تطبيقه في الوقت الحالي. إننا نعمل على منع العدو من استغلال الاتفاق والاستفادة منه بشكل سيئ. أود أن أؤكد أن العلوم النووية باتت موجودة في عقول علمائنا الذين نمتلك المئات منهم، وهذه العلوم لا يمكن انتزاعها منّا بالحرب ولا بالحصار ولا بأي وسيلة أخرى. في العقد الأخير، كسرنا كل محاولات أميركا للتآمر علينا في هذا الشأن، وحققنا الانتصار عليها. أود لفت النظر إلى جملة مهمة ثابتة في أدبياتنا، هي «ما مي توانيم» (نحن قادرون)؛ نحن طوال الوقت قلنا: «نحن قادرون»، وحققنا ما نريد، فيما وصل عدونا إلى مكان يقول فيه نحن غير قادرين (على كسر إيران). نحن الآن في إطار التطور النووي السلمي بإمكاننا أن نفعل ما نشاء، وفي الوقت ذاته نعارض امتلاك القنبلة النووية، ليس لأن اتفاقية الـ NPT تمنع ذلك، بل لأن هناك سبباً شرعياً وأخلاقياً يحول دون ذلك، وقد عبر المرشد الأعلى عنه بفتواه التي تحرّم تصنيع وامتلاك مثل هذا السلاح، وهذه الفتوى أكثر إلزاما بالنسبة إلينا من الـ NPT وغيرها.

■ كيف تقوّمون تطبيق الاتفاق حتى الآن، وهل تعتقدون أن الغرب سيلتزمه بنحو كامل؟
في المجلس، صوّتنا على قانون من تسعة بنود يلزم الحكومة الإيرانية باستكمال البرنامج النووي في كل المنشآت بمزيد من الزخم والدفع، في حال خرق الطرف الآخر الاتفاق. كذلك أضاف المرشد الأعلى بنوداً أخرى إلى بنود قانون المجلس، من شأنها أن تمنع أميركا وبريطانيا من الاستفادة السيئة من هذا الاتفاق. أعتقد أن هناك مسيراً جيداً في هذا الشأن، أوباما مرّر الاتفاق ونحن بانتظار التنفيذ. أعتقد أن كلينا سيربح من تطبيق الاتفاق، لكن إذا خرّبوا في تطبيقه سنعود إلى حيث كنا، وفي هذه الحالة لن يكون هناك إجماع دولي أو بين دول 5+1، خصوصاً أن التهديد الإرهابي للغرب بات جدياً وحادثة باريس توضح ذلك. وأعتقد أنهم يعرفون أن إيران هي الدولة الأكثر جدية في مكافحة الإرهاب، وهم يحتاجون إلى مساعدتها والتعاون معها.

■ نسمع في إيران كثيراً مصطلح «بسابرجام» (ما بعد الاتفاق النووي)، وذلك في سياق الحديث عن الاستحقاقات التي تنتظرها الجهورية الإسلامية في مرحلة تطبيق الاتفاق، بما في ذلك مخاطر الانفتاح الاقتصادي المرتقب والخشية من أن يشكل نسخة معدلة عن حقبة الـ«غلاسنوست» السوفياتي و«البيروسترويكا» التي أفضت إليها؟
نعم، نحن واعون لهذا الخطر. لكن في إيران يوجد نظام مختلف كلياً هو بنيان مرصوص إن شاء الله. شعبنا حاضر في الساحات دائماً، هو شعب واعٍ ومتيقظ للمؤامرات. إضافة إلى ذلك، هناك المؤسسات الأمنية في البلاد، مثل الحرس الثوري أو وزارة الاستخبارات وغيرهما، التي ترصد بنحو دقيق محاولات التغلغل الغربي وتقف لها في المرصاد. لذلك، أهم أمر في مرحلة ما بعد الاتفاق هو مراقبة تطبيقه وفتح الأعين لكي لا يشكل ذلك مدخلاً للنفوذ الأميركي إلى داخل إيران.

■ تتفاوت التقديرات بشأن الأموال المحتجزة في الخارج، ما هي قيمتها الحقيقية؟ وإلى ماذا تتطلع إيران تحديداً بعد رفع العقوبات عليها: الأموال أم الخبرات الفنية؟
دعنا نقول إنه يمكننا الانطلاق من رقم 100 مليار دولار وما فوق. لكن الأهم من قيمة الأموال المحتجزة هو فتح الآفاق التجارية والاقتصادية الذي سيحققه رفع العقوبات.

كسرنا كل محاولات الولايات المتحدة للتآمر علينا وحققنا الانتصار عليها
الجميع الآن ــ ألمانيا وفرنسا وبقية الدول الأوروبية وغير الأوروبية ــ يسعون إلى إبرام وعقد اتفاقات تجارية مع إيران. نحن نعلم أن رأس المال جبان، والاستثمارات لا تأتي إلى بلد غير آمن، وإيران اليوم هي البلد الأكثر أماناً واستقراراً في الشرق الأوسط، والدول الساعية إلى الاستثمار فيها تعلم ذلك، وبناءً عليه تقدم على هذه الاستثمارات.
بنيتنا الاقتصادية هي بنية مقاومة، ولذلك نحن نركّز على الصناعات الداخلية أو الوطنية، واليوم نملك الخيار في تحديد موضوعات الاستثمار والجهات المستثمرة. قبل أسبوع، حضرت إلى هذه القاعة رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الفرنسي، إليزابيث غيغو، وقالت لي إنها التقت مدير شركة «بيجو» في السفارة الفرنسية بطهران، لافتة إلى وجود مفاوضات استثمارية قائمة بين إيران وهذه الشركة. عندما قلت لها إنني سأسعى إلى إفشال هذه المفاوضات، أبدت استغرابها من هذا الموقف، فأوضحت لها أن شركة «بيجو» تركت إيران في وقت الحاجة إليها تحت ضغوط أميركية، وأننا الآن لسنا مضطرين إلى مكافأتها على ما فعلت، بل لدينا الخيار ويمكننا تحديد بدائل، بالتعامل مع شركات أخرى مثل «فولكس فاغن» و«فيات» و«مرسيدس» وغيرها. إضافة إلى ذلك، هناك صراع بين «إيرباص» و«بوينغ» على العقود التجارية مع إيران. إن معاقبة الشركات التي تركتنا وقت الأزمة أمر وارد في حساباتنا الآن، ولن ننسى من تركنا وقت الحاجة. إضافة إلى ذلك، وضعنا الآن ليس كالسابق، على سبيل المثال في مجال صناعة السيارات نحن ننتج مليون سيارة سنوياً، وما يعنينا بالدرجة الأولى بعد رفع العقوبات، النوعية واستقدام الخبرات التقنية والفنية، وهذا الأمر واضح لدى من نتفاوض معه. حتى الأوروبيون قالوا إنهم هذه المرة لن يتراجعوا حتى لو ضغطت أميركا عليهم من أجل تجديد العقوبات. هم لديهم أزماتهم الاقتصادية أيضاً ويحتاجون إلى الأسواق الإيرانية.

■ بالانتقال إلى الملف السوري، هل تعوّلون على مسار فيينا؟
الأجواء الدولية اختلفت. الجميع يصرون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، على مشاركة إيران في مفاوضات فيينا، والحقيقة أن المعترض الوحيد على هذه المشاركة هو السعودية التي تصرخ لكن لا أحد يلتفت إلى صراخها. نحن أدرجنا بعض النقاط في فيينا السابق، مثل حق الشعب في تحديد مستقبل النظام والرئيس، وأكثر آرائنا تم تبنّيها وإدراجها في البيان النهائي.
الغرب يعيش حالة تناقض بالنسبة إلى سوريا، من جهة هو يريد مسايرة حلفائه في المنطقة، كتركيا والسعودية وقطر، ومن جهة أخرى هو يخشى من تمدد الإرهاب المنفلت العقال. لذلك نحن نرى أنه عندما تدخلت روسيا لمحاربة الإرهاب في سوريا، لم يكن بإمكان أميركا الاعتراض، لأن ذلك ينسجم مع القرارات الدولية. وأظن أن ما حصل في باريس (الاعتداءات الإرهابية)، سيدفع الغرب إلى أن يكون أكثر جدية في مكافحة الإرهاب، وأعتقد أيضاً أن الرد الوحيد للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمام شعبه على ما حصل، يجب أن يكون الجدية في محاربة الإرهاب.

■ التحالف بين إيران وروسيا استراتيجي أم تقاطع مصالح؟
الأزمة السورية ستنتهي عاجلاً أو آجلاً، والإرهابيون سيعودون إلى بلدانهم التي جاؤوا منها. بالنسبة إلى روسيا، هناك أكثر من خمسة آلاف إرهابي من أصل روسي في سوريا. والسؤال هنا: أيهما أفضل، محاربة هؤلاء داخل سوريا أم داخل روسيا؟ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، خرج العالم من القطبية الثنائية، واعتقدت أميركا أنها ستتحول إلى شرطي العالم والقطب الأوحد. ولكن هناك دول تعارض هذه الفكرة، مثل الصين والهند وإيران وروسيا. لذا، إن المصلحة هي في تقرّب هذه الدول بعضها إلى بعض مقابل أميركا، وهذا الأمر يعني أن العلاقة مع روسيا هي أكبر من توافق على الشأن السوري، وهو ما يمكن أن يشكل بنية تحتية للتحالفات في المستقبل.

■ هل يدخل تسليم الـ«اس 300» في هذا السياق، وفي إطار فتح آفاق جديدة للتعاون بين روسيا وإيران؟
الـ«اس 300» تحوّل إلى رمز للتدخل الأميركي والإسرائيلي في العلاقة بين روسيا وإيران، ولم تعد له الأهمية العسكرية التي كانت في السابق، فنحن بعد اختبار صاروخ «عماد» صار لدينا بديل من «اس 300» وإن كان بمواصفات مختلفة. تسليم «اس 300» لإيران تكمن أهميته في إبداء الرغبة الروسية في تعزيز العلاقة مع طهران.

■ ما هي آخر المعطيات عن مصير السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي، بعد فقدانه في كارثة منى؟
حتى الآن لم نصل إلى نتيجة، ونحن نتابع هذا الموضوع. موقفنا هو أنه ما دامت السعودية لم تثبت وفاة السفير غضنفر ركن آبادي، فإن فرضيتنا هي أنه مختطف في السعودية.

■ كيف ستتعامل إيران مع فرضية الاختطاف التي تحدثتم عنها؟
حتى اليوم، لا يوجد علاقة جيدة مع السعودية، نحن نأسف للسلوك السعودي الذي يقوم على قتل الشعوب وتدمير اليمن والبنى التحتية فيه. نرى أن العدوانية التي تمارسها السعودية أكبر من تلك التي يمارسها العدو الصهيوني. مشكلتنا مع السعودية ليست فقط حادثة منى، نحن ندين أعمالها في اليمن، وسلوكها الإجرامي في ارتكاب المجازر ضد الشعب اليمني، وهذا يذكرنا بما فعله (الرئيس العراقي الأسبق) صدام حسين من مجازر، ونحن ندعو فقط إلى التأمل بما آل إليه مصيره.




يترأس علاء الدين بروجردي (1950) لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني منذ عام 2008، أي بعد ثماني سنوات من دخوله المجلس، وكان قد شغل قبل ذلك منصب مساعد وزير الخارجية علي أكبر ولايتي. بدأ بروجردي، الذي ولد في مدينة لار (جنوبي غربي إيران)، العمل في وزارة الخارجية الايرانية عام 1981 حيث ساعدته معرفته باللغة العربية، قبل أن يتولى «إدارة الخليج الفارسي والشرق الأوسط والعالم العربي»