تأخذ الانتخابات الرئاسية الكورية الجنوبية شكلاً آخر مع ترشّح النائبة المحافظة بارك كون هي (حزب الحدود المحافظ) أو «سيه نوري»، في وجه المُرشّح التقدمي، مون جي إين (الحزب الديموقراطي الموحد - يسار الوسط)، إذ يطمح قسم من الكوريين إلى تولية شؤونهم لأول امرأة في تاريخ الرئاسة الكورية.
كان من الممكن أن تكون المعركة الانتخابية أكثر إثارة لو بقيت مرشحة حزب الأقلية التقدمي الموحّد، لي يونغ هي، في ميدان التنافس، لولا أنها أعلنت انسحابها من السباق قبيل أيام فقط من إجراء الانتخابات.
لكن من ناحية ثانية، كان لانسحاب لي يونغ هي فرصة إيجابية للمعارضة لكي تجمع أصواتها ضد مُرشّحة «الحدود» الذي كان يُسمى سابقاً «الحزب الوطني الكبير»، وهو الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي للبلاد، لي ميونغ-باك.
إذاً، لم تعد المعركة بين «هي» المحافظة و«هي» التقدمية، بل أصبحت بين «هي» و«إين»، في وقت تشير فيه الاستطلاعات إلى تقارب النتائج بينهما.
وبارك كون هي (60 عاماً)، التي وعدت الشعب الكوري أو «أسرتها» كما سمته، بفتح عصر جديد بقيادة أول رئيسة كورية من الجنس اللطيف، وأنها ستبذل كل ما في وسعها من أجل الشعب بصفتها أماً له، أكدت أنها ستركز على تحسين أحوال المعيشة حتى تكون الطبقة المتوسطة 70 في المئة المجتمع الكوري.
هي مثل خصمها اليساري الوسطي، ليست طارئة على عالم السياسة؛ فهي ابنة الرئيس الأسبق بارك تشونغ-هي (1962-1979)، الذي لُقّب بمحرك التصنيع السريع في بلاده، رغم أنه أدى دور الرقيب على الحريّات. أما منافسها مون (59 عاماً)، فقد كان مستشاراً مقرّباً من الرئيس اليساري روه مو-هيون (2003-2008).
لكن على ما يبدو، لم يعد حزب الحدود يتمتع بالقوة الشعبية نفسها التي أوصلت الرئيس الحالي، لي ميونغ باك، نهاية عام 2007 إلى الـ «تشيونغ واداي»، أي (البيت الأزرق)، وهو مقر الرئاسة ذو القرميد الأزرق. فقد مني هذا الحزب بهزيمة نكراء في الانتخابات المحلية في 2010 وخسر العاصمة سيول في عام 2011.
لكن مع تغيير اسمه من «الحزب الوطني الكبير» إلى حزب الحدود، خفّف قادة هذا الحزب من سياساته المحافظة واستطاع في نيسان الماضي استعادة بعض بريقه في الانتخابات التشريعية، مع استمرار خطورة تقدم الحزب الديموقراطي الموحد.
ولم يعد التهديد الكوري الشمالي هو الشغل الشاغل للكوريين الجنوبيين، في ظل تباطؤ النمو منذ أواخر عام 2011 تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية.
إلى جانب ذلك، ثمة تحديات عديدة أمام الرئيس المقبل لكوريا الجنوبية، علّ أهمها مشكلة انخفاض معدل المواليد وبروز شيخوخة المجتمع في مجتمع ناهض صناعياً وتكنولوجياً، إضافة إلى رعاية الأطفال، وخفض رسوم التعليم الجامعي، والاهتمام أكثر بكبار السن الخ.
الواضح أن الحزبين الرئيسيين في البلاد، لا يلبيان مطالب كافة شرائح الشعب ورغباتها، فهناك فئة مستقلة لا يزال كلا المرشّحين يراهن عليها لكسب أصواتها.
لذلك احتدم الجدل بين مون وبارك، في من يطرح مشاريع أكثر شعبية؛ ركّز مرشح الحزب الديموقراطي الموحّد على ضرورة تغيير السلطة من أجل التغلب على جميع العقبات، ووعد بأنه سيحقق الديموقراطية الاقتصادية والسياسات الجديدة من خلال الاتصال والعمل مع الشعب، مشيراً إلى أن كل المشاكل في المجتمع الكوري تنبع من الرئاسة الإمبريالية. أما مرشحة الحزب الحاكم، فقد تعهدت أن تولي أهمية قصوى لسعادة المواطنين، وقالت إنه إذا انتُخبت، فإنها ستُوسّع الطبقة الوسطى لتصل إلى 70 في المئة من أجل تحقيق الديموقراطية الاقتصادية وتعزيز الرعاية الاجتماعية وخلق المزيد من الوظائف.
اللافت في الحملات الانتخابية التي سبقت هذا الاستحقاق، أن مرشحاً آخر هو رجل الأعمال، اهن شيول-سو، كان قد انسحب مبكراً من السباق، استطاع أن يخرق قوة الثنائية الحزبية المسيطرة (محافظون- يسار وسط) ويحقق شعبية لا بأس بها. لكن «تفادياً لانقسام صوت المعارضة» انسحب الرجل الذي جمع ثروة من قطاع المعلوماتية، ودعا إلى دعم مون.
وبحسب الدستور الكوري، رئيس الجمهورية هو زعيم الدولة والرئيس التنفيذي للحكومة والقائد الأعلى للجيش. ويُنتخب منذ سنة 1987 من طريق الانتخاب المباشر لمدة خمس سنوات.