في وقت استمرت فيه حملات المداهمة والاعتقال في فرنسا وبلجيكا، بدأت المسارات الداخلية والخارجية المرتبطة بالحدث الفرنسي الكبير تتضح شيئاً فشيئاً. فعلى وقع الاستنفار الاوروبي والأميركي الذي انعكس في تكثيف سلاح الجو الفرنسي ضرباته على تنظيم «الدولة الاسلامية» في سوريا، تثير تصريحات الرئيس فرانسوا هولاند عن «طرد الاجانب الذين يمثلون خطراً» تساؤلات عن المصير الذي ينتظر اللاجئين والجاليات العربية والافريقية في فرنسا وأوروبا عموماً، بالتزامن مع دعواته إلى تعديل الدستور ليصبح على مقاس «الحرب على الارهاب».
تلويح بإجراءات ضد الأجانب

وأكد هولاند، يوم أمس، أن فرنسا في حرب «ضد الجبناء» وليست في صراع مع الحضارات، موضحاً أن القتلة «لا يمثلون أياً من هذه الحضارات». وفي المرة الاولى منذ ست سنوات التي يخاطب فيها رئيس فرنسي مجلسي البرلمان مجلس الشيوخ (في إجراء مخصص للمراجعات الدستورية وكلمات الرئاسة المهمة)، قال هولاند أمام المشرعين إن «»ديمقرطيتنا انتصرت من قبل على الأعداء الذين كانوا أشد قوة من هؤلاء الجبناء».
وفيما أعلن أن فرنسا ستكثف عملياتها في سوريا بعد الغارات على محافظة الرقة، شدد هولاند على الحاجة إلى تحالف واحد كبير للقتال في سوريا، مشيراً إلى أنه سيجتمع مع الرئيسين الاميركي والروسي في الايام المقبلة لبحث هذه القضية. وستبحر حاملة الطائرات «شارل ديغول» الخميس المقبل، إلى شرق البحر المتوسط، وفقاً لهولاند الذي أوضح أن ذلك «سيزيد قدراتنا على التحرك بثلاثة أضعاف»، مؤكداً أنه «لن يكون هناك أي مهادنة».
على الصعيد الداخلي، لوّح هولاند باجراءات جديدة ستتخذ بحق الاجانب في بلاده، قائلاً: «يجب أن نكون قادرين بنحو أسرع على طرد الأجانب الذين يمثلون خطراً»، داعياً إلى جلسة تشريعية لتنظيم أدوات «حربنا على الارهاب» وإلى تعديل عدد من مواد الدستور «بما يتماشى مع الأخطار التي يفرضها الارهاب حالياً»، كما أعلن قراره إحالة مشروع قانون تمديد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر إضافية على البرلمان.

تحذيرات من هجمات جديدة وإقفال «المساجد التي تحض على الكراهية»


وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده تريد سيطرة أكثر فعالية على الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي لتجنب العودة إلى سيطرة كل دولة على حدودها وتفكيك الاتحاد الاوروبي.
وكان هولاند قد أكد أن هجمات باريس التي أودت بحياة 130 شخصاً، وأدت إلى 350 جريحاً، «تقررت وخطط لها في سوريا، ونظمت في بلجيكا، ونفذت على اراضينا بمساعدة شركاء فرنسيين». وبرغم تصريحات هولاند التي حاول خلالها تجنب إطلاق النقاشات الحضارية وبالتالي العنصرية، كانت المفوضة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، قد أعلنت أن هجمات باريس لم تستهدف فرنسا وحدها أو أوروبا فحسب، بل هي «هجوم ضد الحضارة بأكملها» أيضا. في سياق متصل، كان لافتاً قول وزير العدل الألماني، هيكو ماس، إن العثور على جواز سفر سوري قرب أحد المواقع التي تعرضت لاعتداء في باريس يمكن أن يكون بمثابة «تضليل» اعتمده تنظيم «داعش» لإضفاء التشدد على النقاش حول الهجرة. وكان وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنوف، يوم أمس، قد توعّد بإغلاق المساجد «التي يدعو أئمتها إلى الكراهية والعداء»، وذلك في تصريحات عبر تلفزيون «فرنسا 2» ليل أول من أمس. وكان رئيس الوزراء مانويل فالس قد أكد يوم السبت أن فرنسا سترحّل فوراً «الأئمة الأجانب الذين يثيرون الكراهية».
بدوره، حذر رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، من اعتداءات جديدة قد تضرب فرنسا ودولاً اوروبية اخرى. وقال فالس، متحدثاً لإذاعة «آر تي أل»، «سنعيش وقتا طويلا في ظل هذا التهديد... وعلينا ان نستعد له»، مشيراً الى ان اعتداءات جديدة قد تستهدف فرنسا او دولاً اوروبية اخرى «في الايام المقبلة او الاسابيع المقبلة».

توقيف 24 شخصاً والمداهمات مستمرة

وفي وقتٍ لا تزال فيه باريس تنفض عنها غبار الايام السوداء الماضية، وصل عدد المداهمات التي نفذتها الشرطة الفرنسية في أعقاب هجمات باريس إلى 168 مداهمة. وأوقفت الشرطة 24 شخصاً واستولت على أسلحة من بينها بنادق كلاشنيكوف، ومسدسات آلية، وقاذفات صواريخ. وتقول الحكومة الفرنسية إنها تستخدم حالة الطوارئ التي أعلنت بعد الهجمات للتحقيق مع أشخاص يعتقد أنهم جزء من «تنظيم متشدد».
وفيما تسعى السلطات الفرنسية للقبض على شخص فرنسي يدعى صلاح عبد السلام (26 عاماً) وتعتبره مشتبهاً به رئيسياً، قال الادعاء الفرنسي إن الشرطة تعرفت على هويتي اثنين من منفذي العمليات، هما أحمد المحمد وسامي عميمور. وقد ولد أحمد، الذي فجر نفسه في ستاد كرة القدم، في مدينة إدلب السورية، إذا كانت بيانات جواز السفر الذي وجد بجانبه صحيحة. أما عميمور الذي فجر نفسه في مسرح «باتلكان»، فهو من مواليد مدينة باريس عام 1987، بحسب بيان المدعي العام الفرنسي. وداهمت الشرطة الفرنسية منازل من يشتبه في أنهم متشددون إسلاميون في أنحاء البلاد. وفي بلجيكا، أنهت السلطات الأمنية العملية المخصصة للقبض على مشتبه به أساسي في اعتداءات باريس، هو صلاح عبد السلام، من دون أي توقيفات، بحسب النيابة العامة الفدرالية.
وكان مسؤول كبير في الحكومة التركية، قد أعلن أمس، أن تركيا أبلغت فرنسا في كانون الأول 2014 وحزيران 2015 بشأن أحد منفذي التفجيرات والهجمات الانتحارية الأخيرة. وأضاف المسؤول أن تركيا لم تتلق طلباً من فرنسا للحصول على معلومات عن اسماعيل عمر مصطفائي الذي دخل تركيا عام 2013، إلا بعد هجمات يوم الجمعة.

«داعش» يتوعّد واشنطن

وحذر تنظيم «داعش» في فيديو جديد، يوم أمس، الدول التي تشارك في شن ضربات جوية ضده في سوريا، من أنها «ستلقى مصير فرنسا نفسه»، متوعداً بشنّ هجوم في واشنطن. وأبلغ رجل قيل في الفيديو أن اسمه الغريب الجزائري الرسالة للدول المشاركة في ما وصفها «بالحملة الصليبية»، قائلاً: «إن كنا قد دككنا فرنسا في عقر دارها في باريس، فقسما قسما لندكن أميركا في عقرها في واشنطن باذن الله تعالى». وحذر المتحدث أوروبا بشن المزيد من الهجمات، وأضاف: «أقول لدول اوروبا إننا قادمون.. قادمون بالمفخخات والتفجيرات، قادمون بالاحزمة والكواتم، ولن تستطيعوا ردنا لأننا اليوم بتنا أقوى من ذي قبل بكثير». وفي إشارة كما يبدو إلى المحادثات الدولية لإنهاء الحرب السورية قال رجل يدعى الكرار العراقي متوجهاً لهولاند: «قررنا التفاوض معكم في الخنادق لا في الفنادق».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)