هانغزو | اختتمت، أول من أمس، في العاصمة الصينية بكين سلسلة الجلسات التمهيدية للمؤتمر الثامن عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بحضور نائب الأمين العام للحزب، شي جينغ بينغ، الذي يُرجّح توليه قيادة الحزب والبلاد قريباً. دامت الجلسات أربعة أيام، وشارك فيها 200 عضو من اللجنة المركزية التي كانت قد شكلت خلال المؤتمر السابع عشر في تشرين الأول 2007، بمن فيهم أعضاء لجنة الرقابة والانضباط في الحزب. وثبّت المؤتمر التمهيدي، في بيان رسمي صدر أمس، يوم الخميس (8 تشرين الثاني) موعداً لانعقاد المؤتمر العام للجنة المركزية، حيث سيسلّم الأمين العام للحزب هو جن تاو، زمام القيادة إلى شي. وبينما يُعدّ هو جن تاو القيادي الأبرز للجيل الرابع بعد قيام الثورة الشعبية عام 1949، ينتمي نائبه الحالي شي، إلى الجيل الخامس الذي سيقود الصين لتصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم. لكن ذلك سيستدعي الحفاظ على نسبة نمو اقتصادي تفوق 8 في المئة سنوياً. إن تمكن الصين بقيادة الجيل الرابع من تحقيق نمو اقتصادي يفوق نسبة 10 في المئة سنوياً لم يكن إنجازاً بقدر ما كان الحفاظ على نمو لم تنخفض نسبته عن 8 في المئة كذلك، لكن تحقيق ذلك في ظلّ قيادة الجيل الخامس وبعد استفحال الأزمة المالية الدولية التي تلقي بثقلها على الأسواق العالمية يتطلّب جهوداً كبيرة وتغييرات في منهجية إدارة الشؤون الاقتصادية في الصين.
ستحتاج القيادة الصينية مثلاً إلى التشجيع على زيادة حجم الإنتاجية، ويستدعي ذلك تصريف المنتجات وتوسيع الأسواق المحلية وتحفيز التبادل الداخلي وإتاحة مزيد من التنافس. وقد يتطلب ذلك مزيداً من الخطوات لتخفيف سطوة إدارات الدولة والحزب على المؤسسات التجارية والصناعية والهيئات العمّالية.
ويتناقض هذا النهج مع مبادئ الحزب الشيوعي الصيني الذي يقاوم التسليم الكامل لاقتصاد السوق، وبالتالي فعلى الجيل الخامس من القياديين الصينيين ابتكار نهج يوفق بين التحكّم بالنموّ والاقتصاد الحرّ. وفي ظلّ هذا التحدي يأمل المسؤولون الصينيون الحفاظ على نسبة نمو تبلغ 8 في المئة في العشرين سنة المقبلة، ما سيوصلهم إلى القمة، بينما لا يتجاوز النمو الاقتصادي لمعظم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، نسبة 4 في المئة سنوياً.

الجلسات التمهيدية للمؤتمر
اجتماعات المكتب السياسي والجلسات التمهيدية التي انعقدت خلال الأسبوع الماضي ترأسها هو جن تاو، الذي قدم تقريراً تناول الإنجازات التي تحققت منذ المؤتمر العام السابق. وناقش المجتمعون مضمون التقرير بحضور شي، في جلسات مغلقة غلب عليها طابع السرية. لكن علمت «الأخبار» من أحد المقربين من القيادة أن اللجنة المركزية في الحزب وافقت على مضمون تقرير جاء فيه اقتراح إدخال تعديلات على النظام الأساسي للحزب الشيوعي الصيني. «هذه التعديلات تتناسب مع المرحلة الجديدة»، حسبما قال المصدر لـ«الأخبار» أمس، رافضاً الإفصاح عن مضمونها، لكنه أضاف: «إن التحديات التي نواجهها تستدعي تطوير هيكلية الحزب والتغييرات المتسارعة تدفع القيادة إلى إدخال تغييرات في كافة قطاعات إدارة شؤون البلاد». لكن هذا لا يعني أن الحزب سيتخلى عن الأسس التي تحدد سياساته: «نحن نلتزم الثوابت: الحفاظ على المصالح المشتركة للشعب والانفتاح الاقتصادي والحفاظ على التجانس والتوازن في السياسة الداخلية، ورفض النهج التوسعي الإمبريالي والتدخل في شؤون الدول في السياسة الخارجية».
يذكر أن التقرير الذي قدمه الرئيس هو بشأن التغييرات المقترحة، والتقرير النهائي للجلسات التمهيدية، سيُحالان على الأعضاء الجدد خلال المؤتمر العام لدراستهما.
أما شي، فقدم خلال الجلسات شرحاً مستفيضاً لمضمون التقريرين إلى أعضاء اللجنة المركزية. وتوافق المشاركون في الجلسات على أن المكتب السياسي السابع عشر للحزب تمكن خلال ولايته التي ستختتم بعد يومين، من «الحفاظ على مبادئ الاشتراكية بالمفهوم الصيني».
وأقرّت اللجنة المركزية، خلال الجلسات التي اختتمت أول من أمس، قرار طرد القياديين الحزبيين بو شيلاي وليو زيجون، لأسباب تتعلّق بالفساد.
في المقابل، رُفّع عضوا الحزب وانغ شوي جون ووانغ جيان بنغ، إلى مناصب قيادية. وقرّرت اللجنة المركزية تعيين فان شانغلونغ وشو كليانغ، نائبين لرئيس اللجنة العسكرية في الحزب الشيوعي.
البيان الختامي للجلسات التمهيدية صدر أمس، مشدّداً على أن الحزب تمكن من الاستمرار في تطبيق نظرية القيادي المؤسس الراحل دنغ شياو بنغ، التي ترتكز على الانفتاح الاقتصادي واستجلاب الاستثمارات الخارجية. وتمكن الحزب كذلك، بحسب تقرير لجنته المركزية، من تكريس «الوجهة العلمية للنمو الاقتصادي» وتطوير القدرات التكنولوجية الصينية.
وأضاف البيان أن اللجنة، التي يترأسها هو جن تاو، «قادت الحزب إلى التغلب على الصعوبات الناجمة عن مناخ دولي متقلّب ومعقّد، وعلى صعوبات أخرى تتعلق بالإصلاح وبالتطوّر والحفاظ على الاستقرار». لكن لا شكّ في أن مثلّث الشعب والحزب والقوات المسلحة في الصين سيواجه تحديات إضافية في المرحلة المقبلة، أهمها حماية التنوع والتجانس الثقافي والحفاظ على نسبة مرتفعة من النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى العيش، وخفض أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد على نحو يتناسب مع المتغيرات الدولية، وتطوير البحوث العلمية وتمويلها.
التقرير، الذي عرض على الجلسات التمهيدية للمؤتمر العام، تناول إنجازات المرحلة السابقة، وأبرزها نسبة النمو الاقتصادي، حيث إن المعدل الإجمالي للدخل الوطني أصبح اليوم ثلاثة أضعاف ما كان عليه عام 2002 عندما تولى هو قيادة البلاد. أما معدّل دخل الفرد الصيني، فهو يبلغ اليوم نحو 5000 دولار أميركي سنوياً، بينما لم يكن يتجاوز 1135 دولاراً أميركي عام 2002.



قوة صينية لردع اليابان وحلفائها

تطرّق البيان الختامي للجلسات التمهيدية لمؤتمر الحزب الشيوعي الصيني إلى «الآفاق الجديدة للصناعات العسكرية»، في إشارة واضحة إلى تعاظم القوة الحربية الرادعة لـ«جيش التحرير الشعبي». يأتي ذلك فيما يستمرّ التوتر بين الصين واليابان بشأن جزر دياويوي. وبينما أعلنت السلطات العسكرية اليابانية، بحسب صحيفة «جابان تايم»، إلغاء مناورات عسكرية مشتركة مع البحرية الأميركية كانت تنوي إجراءها في محيط الجزر، عرضت البحرية الصينية أمس بعض قوتها من خلال مناورات أجرتها في المكان. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي، أشار أمس بطريقة غير مباشرة إلى منهجية توظيف القوة للتوصل إلى تسوية سلمية، حيث أعلن أن «المطلوب الآن أن تظهر اليابان النية الصادقة وتتخذ خطوات لتسوية القضية مع الصين عبر المفاوضات». وشدّد على تمسّك الصين بسيادتها على جميع أراضيها. يذكر أن الجزر الثماني غير المأهولة ومجموعة الصخور محل النزاع تقع في بحر الصين الشرقي شمالي شرقي تايوان، وإلى شرقي الأراضي الصينية وجنوبي غرب مقاطعة أوكيناوا اليابانية. وتكتسب هذه الجزر التي تقع تحت السيطرة اليابانية، أهميتها من قربها من ممرات استراتيجية للتجارة، بالإضافة إلى أنها موقع مهم للصيد ومكان خصب برواسب النفط.