من بين 44 رئيساً أميركياً تعاقبوا منذ انتخاب جورج واشنطن رئيساً في 1788، لم ينجح سوى 16 منهم في الاستمرار دورة انتخابية ثانية. ويحيل بعض الباحثين في العلوم السياسية ذلك على رغبة دفينة لدى الأميركيين في عدم التشبه بالملكيات في شيء، وعلى رغبتهم في رئيس جديد عساه يحسن أوضاعهم، ويصحح أخطاء من سبقه.
قد ينطبق هذا التحليل على الرئيس الحالي باراك أوباما، الذي يواجه صباح الغد ربما أهم يوم في حياته. أهم حتى من انتخابه في المرة الأولى. وقد يرى البعض أنّ أداء أوباما الباهت في المناظرة الأولى التي جمعته مع منافسه قد تبقى في أذهان الناس، وتدفع المتردّدين الى انتخاب رومني. معظم الأرقام في استطلاعات الرأي تشير الى تقدم أوباما، على نحو طفيف جداً، على رومني، أو حتى تعادلهما. ويشير البعض الى أنّ أرقام الأيام الاخيرة في الانتخابات عادة لا تخطئ، ما يعني أنّ اوباما لديه الحظ الأوفر في أن يكون رئيساً، ويصبح الرقم 17 في لائحة الناجحين بإعادة انتخابهم.
لا شك أنّ اعصار «ساندي» الذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأسبوع الماضي قد ساعد على رفع، ولو على نحو طفيف، أرقام أوباما، الذي أوقف حملته الانتخابية وتفرغ لإدارة الأزمة من موقعه كقائد للبلاد. ولم تنفع جهود رومني في جمع التبرعات في تلطيف صورته أمام الذين ضربتهم الكارثة المناخية. وقد يكون الحديث الذي أفشى به أحد مساعدي أوباما مساء السبت لصحافي في جريدة «بوليتيكو» يظهر حجم الورطة التي يجد فيها رومني نفسه اليوم، إذ قال المصدر المجهول الهوية إنّ رومني كان حتى تموز الماضي يريد اختيار حاكم ولاية نيوجيرسي، المنكوبة اليوم، كريس كريستي، نائباً له، لكنه عاد وغيّر رأيه بعد عودته من حضور أولمبياد لندن، واختار نائبه الحالي بول راين. ربما يشعر المحيطون برومني اليوم بهول خسارتهم، إذ منذ أيام وكريستي يتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وخصوصاً بعد زيارة أوباما للولاية يوم الأربعاء الماضي، وتجواله مع حاكمها على المناطق الأكثر تضرراً من الإعصار. قد يكون مستشارو رومني يحسبون كم كانت ستستفيد حملتهم من الظهور الإعلامي لكريستي لو كان الاختيار قد وقع عليه، وخصوصاً أنّ الصحف المقربة جداً من الديموقراطيين، التي أعلنت مساندتها لأوباما، تشيد بجهود كريستي منذ أيام في الإسراع برفع أنقاض الإعصار ومساعدة سكان الولاية. وربما يشعر مستشارو رومني بالسخط من جراء إشادة كريستي برد فعل أوباما السريع لمساعدة الولايات المنكوبة. ويلمّح البعض إلى أنّه لو لم يشعر كريستي بالخذلان من حملة رومني نتيجة ايهامه لأسابيع بأنّه سيكون المرشح الأكيد لمنصب نائب الرئيس، ثم اختيار بول راين مكانه، لما كان قد أشاد بأوباما بطريقة «لطيفة جداً».
ويترافق كل ذلك مع شبه اختفاء لنائب رومني بول راين، الذي ينتقل من ولاية لأخرى لحشد الناس، لكن لا تقوم خطاباته بحشد الإعلاميين للكتابة عن جهوده، ويفضل الجميع التركيز على رومني نفسه. ولم يظهر راين في أي مقابلات تلفزيونية محلية منذ 8 تشرين الاول الماضي، وهو الذي كان يمكن، في الأسابيع الأولى لاختياره نائباً للرئيس، رؤيته في كل الأوقات على كل المحطات التلفزيونية المحلية والوطنية. وهو قام بما يقارب 125 ظهوراً تلفزيونياً في ثمانية أسابيع فقط، ليختفي بعد بدء المناظرات الرئاسية.
بالطبع لا يساعد حظوظ رومني خيار عمدة مدينة نيويورك، مايك بلومبرغ، التصويت لأوباما في انتخابات الغد، إذ اعلن بلومبرغ، وهو جمهوري، لكن تحوّل إلى مستقل، في مقالة كتبها الخميس الماضي، أنّه اختار أوباما بسبب برنامجه لمكافحة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وخصوصاً بعدما تخلى رومني عن خططه البيئية، التي كان ينادي بها حين كان حاكماً لماساشوستس، لكن البعض يقول إنّ نائب أوباما، جو بايدن، هو من أقنع بلومبرغ بمساندة أوباما، لكونه صديقه منذ سنوات طويلة.
وكان تقرير البطالة الصادر يوم الجمعة الماضي، وكما يقال في اللغة الإنكليزية، بمثابة «الكريما على قالب الحلوى» لأوباما، إذ اظهر أنّ الاقتصاد يتوسع، واستطاع 170000 أميركي ايجاد عمل في شهر تشرين الأول، منهم حوالى 111000 في القطاع الخاص وحده. ورغم أنّ أوباما ينهي ولايته وحجم التوظيف لا يزال على حاله كما كان يوم تسلّم مهمّاته منذ أربع سنوات، أي 133.8 مليون شخص، فإن زيادة الوظائف في الأشهر الستة، والتحسن الطفيف على التشغيل على نحو عام قد يدفعان قدماً بحظوظه يوم غد مع الناخبين. لكن رغم كل هذا التفاؤل بإعادة انتخاب أوباما من جانب مؤيديه، يبقى أنّ الأرقام تشير الى أنّه يعاني مشكلة بين الناخبين البيض الذين يعدّون أنفسهم لييبراليين. وإذا انتُخب أوباما غداً فسيكون قد نجح بأغلبية أصوات الأميركيين من أصول لاتينية، وأفريقية (أو الناخبين السود) والنساء (مقابل فشل الجمهوريين مجدداً في استقطاب أصوات الأقليات العرقية والنساء، وخصوصاً العازبات منهن). وهناك سخط كبير بين الناخبين البيض الليبراليين تجاه أوباما، بسبب ما يعدّونه تخلّياً منه عنهم، هم الذين أوصلوه إلى منصبه، ومحاولته تفضيل التعاون الحزبي مع الجمهوريين في قضايا عدّة، لتمرير القوانين، عوض مساندة قوانين تقدمية، لكن بعض الأصوات تنادي بتخطي الغضب ضدّ أوباما وانتخابه لكون التصويت لرومني قد يطيح كل المكتسبات التي نالها الليبراليون في عهد أوباما.
قبل ايام من انتخابات 2008، قال مستشار جورج بوش الابن السابق كارل روف، إنّ اوباما سيربح الانتخابات، وصدقت توقعاته. منذ اسابيع كتب روف مقالة في «وول ستريت جورنال» توقع فيها فوز رومني. لكنّه عاد الأسبوع الماضي، وقال إنّ اوباما محظوظ جداً لأنّ «ساندي» تساعده، ما عدّه البعض تراجعاً عن مقالته، فهل يصدق الجمهوري ويبقى أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة في البيت الأبيض مساء غد؟