طهران | تكمن أهمية «الاقتصاد المقاوم» الذي طرحه، أخيراً، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، في المعنى الظاهر قبل المضمون، فالنظرية مستوحاة من فكر المقاومة وقوة الردع الذي تنتهجه إيران، منذ الثورة، للتعامل مع الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، منذ عشرات السنين، والتي تحث على مواجهة مثل هذا الحصار، في سبيل الوصول بالاقتصاد الإيراني إلى بر الأمان وإيجاد سبل تجعله قادراً على التكيّف مع العالم الخارجي، أي مع الظروف والتطورات الراهنة على الساحة الدولية.
خامنئي يصوّر نظرية «الاقتصاد المقاوم» بأنها «تجعل من الاقتصاد الإيراني اقتصاداً مرناً، أي إنها تقوّي مناعة اقتصاد البلاد، في مقابل الضربات والرجات الخارجية المختلفة».
لكن في المضمون، حُدّدت الخطوط العريضة التي يجب العمل عليها في دائرة «الاقتصاد المقاوم» من قبل المرشد الأعلى، لتتمّ دراستها وإعداد خطتها التنفيذية عبر لجنة اقتصادية يحضرها الرؤساء الثلاثة في البلاد. ومن المهمات التي يجب العمل عليها، اتخاذ تدابير لزيادة وإنتاج وتصدير المنتجات المسندة إلى المعرفة، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج المحلي لبعض السلع الاستراتيجية وتطوير الأسواق وتعزيزها في البلدان المجاورة، فضلاً عن زيادة الخصخصة ورفع صادرات الكهرباء والغاز والبيتروكيماويات ومنتجات النفط بدلاً من النفط الخام.
في المنظار الإيراني، كل هذه التدابير وغيرها من شأنها أن تجسّد نموذجاً معطاءً لنظام اقتصادي إسلامي، ومواجهة العدو الذي يحاول دائماً كسر الشعب الإيراني ومحاربته. ولكن يهدف «الاقتصاد المقاوم» إلى تحقيق اقتصاد مبني على العلم والتكنولوجيا والعدالة وتقديم نموذج مهم من النظام الاقتصادي الإسلامي، عبر الاستفادة من الثروة الفكرية والأدمغة المتوافرة داخل الدولة.
النائب في البرلمان الإيراني والخبير الاقتصادي أحمد توكلي قال لـ«الأخبار»، إنه «في فترة الحصار لم يلعب الاقتصاد المقاوم دوراً كبيراً، لأنه لم تُلتزَم أصوله، بنحو فعال، بناءً على العقوبات المفروضة والانغلاق الاقتصادي، آنذاك»، مضيفاً أن «اليوم في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، أصبح مفهوم الاقتصاد المقاوم نافذاً أكثر من قبل، ولكن ذلك يعتمد على همّة الدولة وسعيها، ويعتمد أيضاً على السياسة المتبعة».
وفي هذا الإطار، أوضح أنه «إذا التُزمَت، بنحو صحيح، قواعد الاقتصاد المقاوم الذي يهدف إلى مقاومة الصدمات والتغيّرات الخارجية، فإن ذلك يحفظ الاقتصاد». وأضاف توكلي أن «العالم أصبح قطعة واحدة، وأصبحت الدول مرتبطة ببعضها مثل المناطق المتعددة في المدينة الواحدة، ولا يمكنها العيش وتحسين اقتصادها من دون الارتباط ببعضها». وأكد أنه «إذا اهتمت الدولة بالمتطلبات في الداخل، وفي الوقت ذاته حافظت على ارتباطها في الخارج، فإنها تجذب المنفعة للداخل». لكنه لفت في الوقت ذاته إلى أنه «إذا لم يتم التوجه إلى الاقتصاد المقاوم، فإن الاقتصاد العالمي يحدد وضع الدولة الأمر الذي ينقل التغيّرات في النظام المسيطر إلى الداخل ويبعده عن الوضع المناسب».
في هذا المجال توجد أيضاً نقاط ضعف يجب العمل عليها. وقد أشار توكلي إليها موضحاً أن «مشكلة الاقتصاد الإيراني الأساسية هي موضوع النفط، لأن الاقتصاد يعتمد بجوهره على النفط الخام، الأمر الذي أحدث ضرراً في الاقتصاد الوطني». توكلي أضاف أن هذا الواقع «بدأ في عهد الشاه»، مضيفاً أن «الوضع تحسن بعدها، لكننا ما زلنا نعتمد على النفط وهذه أكبر نقاط ضعف اقتصادنا، التي يجب تجنّبها». انطلاقاً من هذه الفكرة، لفت النائب الإيراني إلى أن «الاقتصاد المقاوم يهدف إلى دعم تنوع الاقتصاد الوطني إزاء صدمات الاقتصاد النفطي».

في فترة الحصار لم يلعب الاقتصاد المقاوم دوراً كبيراً

وفي السياق، قال إنه «على الرغم من أن الاقتصاد الإيراني فائق القدرة في الموارد البشرية والمنابع الطبيعية، وأن إيران أرض ذات فصول أربعة، إلا أن ارتباطه بالنفط واعتماده عليه ــ الذي ارتفع فجأةً إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف بعد تحريم النفط العراقي عام 1973 ــ إضافة إلى اعتماد ميزانية الدولة على المدخول الدولاري النفطي، إلا أنه وفقاً للإحصاء الذي يجريه بنك أميركا لكل الدول، فإن مؤشر الإنتاج بعد ارتفاع قيمة النفط شهد انخفاضاً إلى النصف». وأضاف أنه «بعد الثورة، تحسن معدل الإنتاج النفطي إلى 2.08 ثم انخفض 1.8 ثم إلى 1 ليستقر بعدها بين الـ1.1 والـ1.2».
الفترة الماضية التي تبعت الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1»، شهدت توافداً هائلاً لرؤساء ووزراء خارجية واقتصاد من مختلف الدول، بمعية فرق اقتصادية واستثمارية كبيرة في إيران، بهدف ضمان مكان في السوق الإيرانية التي تعتبر سوقاً عالية الاستهلاك. هذا الأمر دفع الفعاليات الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني إلى تأكيد نظرية «الاقتصاد المقاوم» وتفعيل دورها بنحو أوسع، من شأنه أن يضمن حماية الإنتاج المحلي والسوق التجارية المحلية. فقد رأى روحاني أن سياسة «الاقتصاد المقاوم» تشكل المحور الأساس لبرامج الحكومة الاقتصادية، وقال إن قرار الحكومة هو تعزيز «الاقتصاد المقاوم» من خلال تشكيل لجنة برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية لتجري المصادقة على أطرها في الحكومة، وأضاف: «ينبغي لنا جميعاً المشاركة لإضفاء المزيد من التحرك على سياسات الاقتصاد المقاوم».
اليوم، في انتظار المرحلة الأخيرة المتمثلة في تنفيذ رفع العقوبات، بقي الانتظار لمعرفة ما إذا كان انخراط إيران في الاقتصاد العالمي والسوق العالمية، سيُسهم في تعزيز قدرتها الإنتاجية والشرائية وبالتالي ارتقاء اقتصادها أكثر، من خلال تطبيق «الاقتصاد المقاوم»، أو أنها ستكون رهناً بالتحولات الاقتصادية الخارجية كما الكثير من الدول.