«إنّها ثورة سلمية». قد يكون تعبير رئيس تحالف اليسار الراديكالي «سيريزا»، ألكسيس تسيبراس، هو الأكثر توصيفاً لنتائج الانتخابات التشريعية اليونانية التي جاءت نتائجها على نحو غير متوقع البتة من قبل التحالف الحاكم: الحزب الاشتراكي (باسوك) وحزب «الديموقراطية الجديدة» (نيا ديموكراتيا)، الذي يمثل يمين الوسط، والحزب الأرثوذكسي الشعبي (لاوس) اليميني. فالأحزاب الثلاثة شهدت تراجع حصتها في البرلمان اليوناني الجديد، وسط حضور متقدم لليسار عموماً، والنازيين الجدد. فالاشتراكيون، الذين ربحوا انتخابات 2009 بشكل ساحق مع 43.92 في المئة من الأصوات، أصبحوا في المركز الثالث مع 13.18 في المئة فقط من الأصوات وراء «سيريزا»، الذي حل ثانياً مع 16.6 في المئة من الأصوات، و«نيا ديموكراتيا» الأول مع 18.85 في المئة.
وشهدت الانتخابات حصول النازيين الجدد «حزب الفجر الذهبي» (كريسي أفغي) على 6.97 في المئة من الأصوات ليدخلوا البرلمان للمرة الأولى مع 21 نائباً. كذلك استطاع «الحزب الشيوعي اليوناني» نيل 8.48 في المئة من الأصوات، وحل في المركز الخامس، وراء «حزب الوطنيين اليونانيين» الذي نال 10.6 في المئة من الأصوات. أما «لاوس» فقد أصبح خارج البرلمان مع عدم تمكنه من تخطي عتبة الثلاثة في المئة المطلوبة، وكذلك كانت حال حزب الخضر.
وبحلوله ثانياً، أعاد «سيريزا» اليسار الى موقع المعارضة الرسمية، للمرة الأولى منذ 1958 حين حلّ حزب «اليسار الديموقراطي الموحد» ثانياً في الانتخابات التشريعية، بما أنّ الحزب الاشتراكي لا يعتبر من مكونات اليسار، بل حزب وسطي. وترافق ذلك مع تقدم لليسار عموماً، إذ الى جانب «سيريزا» و«الحزب الشيوعي اليوناني» (KKP)، حل حزب الـ«يسار الديموقراطي» سابعاً مع 6.1 في المئة من الأصوات.
وسيعيش اليونانيون الأيام العشرة المقبلة وسط ترقب، في انتظار ولادة حكومة جديدة أو الدعوة الى انتخابات جديدة. إذ في حال عدم حصول أي من الأحزاب المتنافسة على الغالبية، أي 151 مقعداً من أصل 300، ينص الدستور على تكليف رؤساء أول ثلاثة أحزاب لمحاولة تشكيل حكومة. وأمس، بدأ زعيم «الديموقراطية الجديدة»، انتونيس ساماراس، مشاوراته مع الأحزاب الأخرى، بتكليف من الرئيس اليوناني كارولوس بابولياس، وهو يأمل بتشكيل حكومة إنقاذ وطني. وفي حال عدم تمكن ساماراس من تشكيل الحكومة بحلول بعد غد الخميس، سيصبح دور زعيم التحالف اليساري «سيريزا»، الكسيس تسيبراس، للقيام بذلك، ومن بعده زعيم «باسوك»، إيفانجيلوس فينيزيلوس، لتجنيب بلادهم انتخابات أخرى. ويبدو أنّ الأحزاب الثلاثة الأولى قررت مسبقاً استبعاد النازيين الجدد من مشاوراتها، وخصوصاً أنّ الشكوك تحوم حول تورط مناصري الحزب في أعمال عنف حدثت أخيراً ضد مهاجرين.
وفيما يتفق «الديموقراطية الجديدة» والاشتراكيون، اللذان حكما منذ 1974 أي بعد انتهاء الحكم العسكري، على تأليف حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ وطني، يريد زعيم «سيريزا» الكسيس تسيبراس تأليف حكومة يسارية، بالتعاون مع الشيوعيين. حكومة تنقلب على «اتفاق الديون الذي يخضع اليونان» والاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي. وهو قال مساء الأحد إنّ نتيجة الانتخابات هي رسالة لأوروبا، وخصوصاً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنّ «سياسة التقشف تلقت هزيمة كاسحة». ويبدو من المستحيل أن يتمكن ساماراس من جمع الأحزاب الثلاثة الأولى في ائتلاف حكومي واحد، إذ يقف «سيريزا» على طرفي نقيض مع «نيا ديموكراتيا» و«باسوك» في موضوع أوروبا والعملة الموحدة، مع رفض «اليسار الديموقراطي» المشاركة في حكومة مماثلة، إذ أعلن رئيسه فوتيس كوفيليس أمس أنّ النواب الـ 19 عن الحزب سيصوتون لمصلحة أي حزب تقدمي، ما يفتح الباب أمام تحالف ممكن مع قوى اليسار الأخرى. وهو ما يشي باحتمال تنظيم انتخابات جديدة.
ورغم أنّ الجميع توقعوا تراجعاً في شعبية الحزبين الرئيسيين، إلا أنّ أكثر الأرقام والاستطلاعات تشاؤماً لم تنتظر الأرقام المذلة التي حصل عليها الاشتراكيون مثلاً، مع تراجع 30 نقطة، و«الديموقراطية الجديدة» الذي تراجع خمس عشرة نقطة. ومن الواضح أنّ التصويت كان عقاباً للحزبين على سياساتهما التقشفية التي أنهكت اليونانيين. ومن غير المرجح أن يتمكن الحزبان من استعادة عافيتهما التصويتية إذا أجريت الانتخابات قريباً (في حال الفشل في تشكيل حكومة).