الجزائر | تابع ملايين الجزائريين بشغف المناظرة التي جرت بين مرشحَي الرئاسة الفرنسية، نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، قبل يومين، وأثاروا نقاشات محتدمة في الأحياء والشوارع والمقاهي. وانقسم الشارع بين أكثرية تميل إلى المرشح الاشتراكي وأقلية يستهويها الخطاب اليميني المتشدّد الذي تبناه الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته. ودخل مدوّنون جزائريون في جدل على المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي. ولم يقتصر الحديث في ما يمكن أن تفرزه هذه الانتخابات بخصوص مستقبل العلاقة بين الجزائر وفرنسا، بل تجاوز ذلك إلى مقارنة مستوى النقاش، الذي دار في المناظرة بما يدور بين المرشحين للانتخابات البرلمانية الجزائرية. ولوحظ أن اهتمام الجزائريين بانتخابات فرنسا فاق اهتمامهم بانتخابات بلادهم.
وانتقد معارضون جزائريون مواقف ساركوزي تجاه بلادهم، مثل قوله خلال المناظرة إنه «لا يمكن فعل أي شيء في منطقة الساحل الأفريقي من دون الرجوع الى الجزائر، لكونها القوة الإقليمية الأكثر تأثيراً»، وهو ما عُدَّ «دعماً للنظام القائم في الجزائر عشية انتخابات برلمانية ستجري بعد أربعة أيام فقط من انتخابات الرئاسة الفرنسية».
وبخصوص ما يمكن أن ينجم عن نتائج الانتخابات الفرنسية من تغيير على صعيد العلاقات بين البلدين؛ فقد تناولته الصحف الجزائرية بإسهاب، مرجحةً أن تتحسن العلاقات بفعل التغيير المتوقع في أسلوب التعامل مع الجزائر ومع المهاجرين، في حال فوز هولاند بالرئاسة. وكانت العلاقات الفرنسية _ الجزائري قد شهدت خلال حكم ساركوزي قدراً غير مسبوق من التوتر، قارب القطيعة أحياناً؛ إذ وصل الأمر إلى رفض الجانب الجزائري استقبال شخصيات فرنسية موفدة من قبل ساركوزي، وخصوصاً في عهد وزير الخارجية السابق برنار كوشنير، الذي أطلق تصريحات حول الجزائر عدّها البعض «جريئة»، بينما رآها آخرون «مستفزة»، وسببت حملة تلاسن سياسي وإعلامي بين الجزائر وفرنسا، على مدى شهور.
ورأى الخبير السياسي، المستشار الخاص للرئيس الجزائري السابق اليمين زروال، عبد المجيد بوزيدي، أن «حرب الذاكرة»، التي عادت بقوة إلى الواجهة في مناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، أعادت إشعال الخلافات السياسية بين البلدين، بعدما كان الأمر مقتصراً على خلافات آنية ذات طابع اقتصادي، وخصوصاً في مجالات إنتاج الغاز وتوزيعه، ثم جاءت حادثة تفضيل فرنسا المغرب على الجزائر لإقامة مصنع عملاق لشركة «رينو» ينتج 340 ألف سيارة سنوياً. وهو ما دفع الجزائر إلى استبعاد فرنسا من اتفاقيات كبرى بمليارات الدولارات أبرمت مع شركات صينية في مجال البناء والأشغال العمومية والسكك الحديد والكهرباء، ومع شركات ألمانية في مجال الطاقة المتجددة والمفاعلات النووية.
ويضيف الخبير الجزائري قائلاً إن «هذا الوضع كرّس اعتقاداً لدى الفرنسيين بأنهم على وشك فقدان أكبر سوق اقتصادية في شمال أفريقيا. ومع أن بعض المؤسسات الفرنسية حصلت على عقود في الجزائر خلال فترة حكم ساركوزي، إلا أن تلك العقود كانت شحيحة جداً، قياساً مع ما حصل عليه الصينيون في الأشغال العمومية والألمان في المشاريع العملاقة لإنتاج الطاقة الشمسية في الجنوب الجزائري لتزويد أوروبا بالطاقة الكهربائية النظيفة، بدءاً من عام 2020. ومن شأن عودة اليسار إلى الحكم في فرنسا أن تطلق دينامية جديدة في العلاقات بين البلدين ستسهم حتماً في إخراج المبادلات الاقتصادية والتجارية في حالة التعثر والجمود التي طبعت ولاية ساركوزي الرئاسية».
على الصعيد الشعبي، تأمل قطاعات واسعة من الجزائريين أن تكون عودة اليسار إلى الحكم منعطفاً جذرياً في أسلوب التعامل مع المهاجرين في فرنسا، الذين تعرضوا للكثير من التضييقات في عهد ساركوزي. وسبب ذلك عودة أعداد كبيرة منهم إلى الجزائر، ولا سيما أصحاب وثائق الإقامة المؤقتة من الطلبة الذين اضطروا إلى العودة قبل استكمال دراستهم، بسبب رفض السلطات الفرنسية تجديد رخصة إقامتهم، بموجب قانون متشدد سنّه أخيراً وزير داخلية ساركوزي، كلود غيان.