نواكشوط | لم يكن يكفي موريتانيا الأزمة السياسية بين السلطة والمعارضة على خلفية الدعوة لاستقالة الرئيس، حتى اندلعت أزمة جديدة، وهذه المرة على خلفيّةٍ دينية. فإثر إحراق منظمة «مبادرة المقاومة من أجل الانعتاق» بعض الكتب الفقهية التي اعتبرت أنها تشجع على الرق، عمت المدن الموريتانية خلال اليومين الماضيين مسيرات حاشدة استنكاراً لهذه المبادرة، التي رأى فيها البعض تعدياً على المراجع الدينية.
وخرج الشبان، وخصوصاً طلاب مدارس التعليم الديني، من المسجد المركزي في نواكشوط متجهين إلى مقر رئاسة الجمهورية، حيث طالبوا بإنزال أحكام الشريعة بحق المنظمة ورئيسها، الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي بتهمة الإساءة إلى الإسلام، وعلى الأثر اعتقلت السلطات الرسميّة ولد اعبيدي.
وكانت المنظمة قد أحرقت، خلال تجمع لأعضائها في مبنى جمعيتهم الحقوقية، تلك الكتب، بعد كلمة لولد اعبيدي انتقد فيها مواقف بعض الفقهاء، من أمثال الإمام مالك بن أنس والدسوقي والحطاب والمواق والدرديري، مشيراً إلى أنهم «يمجّدون ممارسة الرق من خلال تشويه الشريعة لإصدار فتاوى مزورة».
وقبيل اعتقاله، أكد ولد اعبيدي أن تحالف القوى السياسية ضدّ منظمته لن يكون له تأثير في مسيرتها أو في طموح مناضليها الساعين إلى إحداث تغيير جذرى في الذهنيات الاجتماعية في البلاد، وشجب «كل الممارسات أو الكتابات التي تبيح الرق أو تشجع عليه». وأضاف أنهم أحرقوا الكتب الفقهية مثل الخليل وابن عاشر للتعبير رمزياً عن أن المنظمة حسمت أمرها، وقررت الاعتماد فقط على كتاب الله وسنة رسوله. وشدد ولد عبيدي على أن منظمته لن تقبل بعد اليوم بمن يريد أن يفرض على الموريتانيين كتباً فقهية أو تفاسير تخلط بين النص المقدس والرأي الشخصي وبعض الأعراف التي يراد فرضها كأمر واقع.
وعند سؤاله عن العزلة السياسية التي وضع فيها منظمته من خلال المبادرة المثيرة للجدل، رد ولد أعبيدي بانتقادات قاسية لقادة أحزاب المعارضة الذين وصفهم بـ«تجار نخاسة وإقطاعيين في ثوب قادة سياسيين». ورأى أن ردود الفعل على إحراق الكتب الفقهية كشفت الطبيعة الانتهازية للنخبة السياسية، والتحالفات الهشة المبنية على المصالح والمنافع الضيقة.
واستغرب ولد اعبيدي قول أحد أركان المعارضة، جميل ولد منصور، أن المبادرة جاءت في غير توقيتها؛ لأن الأولوية الآن يجب أن تكون لمواجهة النظام، راداً عليه بأنه إذا كان هدف المعارضة الوصول للسلطة، فإن أولويات المنظمة تحرير العبيد وكل المستضعفين. وشدد على ان منظمته ليست في وارد أن نقبل بأن تستبدل اقطاعياً بآخر، مهما كان لونه أو شكله أو الخلفيّة الفكريّة والسياسيّة التي سيتدثر بها.
ورأى ولد اعبيدي أن تصديق الطبقة السياسية على قوانين لا تجرم العبودية كان بمثابة السبب الرئيسي لإقدام المنظمة على إحراق كتب الخليل وابن عاشر، وغيرهم من فقهاء العصور المتخلفة الذين يبرّرون الرق في كتبهم. وأضاف: «لقد عكفنا على كل صفحة من تلك الكتب قبل حرقها وسحبنا منها كل أسماء الجلالة والآيات القرآن. ثم قمنا بحرقها للقول إننا نريد أن تدخل البلاد مرحلة جديدة من الإصلاح لا يكون فيها مكان لأي مسوغات فقهية تبرر الرق أو الإقطاع».
عداء ولد اعبيدي للسلطة لم يشفع له عند المعارضة الموريتانية، التي أجمعت على ضرورة إنزال أقصى عقوبة به و«بأي خوارج يقومون بإحراق كتب فقهية». واستهجنت المعارضة «حرق بعض أمهات كتب المذهب المالكي، لأنه فعل غريب على الشعب الموريتاني ودينه الحنيف، ولا يخدم أي قضية من قضايا البلد». وعلى صعيد متصل، رأى رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، الشيخ محمد الحسن ولد الددو، أن احراق كتب الفقه المالكي أمر غير مقبول، وهو موقف في منتهى الجهالة والسفه.
بدوره، تعهد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، لدى استقباله لمسيرة نظمها الأئمة والعلماء الموريتانيون، معاقبة اعضاء المنظمة. وقال ان «موريتانيا جمهورية مسلمة وليست علمانية، وأنه سيضرب عرض الحائط بالعلمانية التي لا نقيم لها وزناً»، مشدداً على تطبيق الشريعة الإسلامية «بكل صرامة» في هذا الصدد. وأضاف: «نحن بلد ديموقراطي، لكن الديموقراطية تتوقف عندما يُمسّ بديننا الذي هو فوق كل ديموقراطية وهو الوحيد الذي يجمع كل الموريتانيين».