باريس | بعد أسبوع واحد على هجمات تولوز، استيقظ الفرنسيون، أمس، على وقع عمليات مداهمة ضخمة ضد «متطرفين جهاديين» شنها الأمن الفرنسي بالتزامن في عدد من أبرز المدن الفرنسية، من تولوز إلى مارسيليا ونيس وليون والضواحي الباريسية.
ورافقت هذه المداهمات تغطية إعلامية كثيفة ضاعفت من المخاوف بخصوص المخاطر الإرهابية التي يخشى الخبراء أن تتعرض لها فرنسا كـ «هزات ارتدادية»، بعد حادثة تولوز التي سقط خلالها أربعة قتلى.
اللافت أن المداهمات جاءت بعد ساعات قليلة من دفن مرتكب هجمات تولوز، محمد مراح، إثر جدل دام قرابة أسبوع، بخصوص دفنه في فرنسا أو الجزائر، وبعدما تطلّب الأمر تدخلاً مباشراً من الرئيس نيكولا ساركوزي، لإبطال «الفيتو» الذي أصدره عمدة تولوز، بيار كوهين، قبل ساعات من جنازة مراح، في محاولة منه لعرقلة دفنه في المدينة.
الحملة الإعلامية التي واكبت المداهمات، أمس، اتسمت بالكثير من التهويل، إذ جرى الترويج على مدى ساعات بأن الأمر يتعلق بتفكيك «شبكات جهادية سرية لها فروع في 6 مقاطعات فرنسية»، وأن «كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات جرى حجزها في المخابئ التي دُهمت»، فيما «اعتُقل 19 ناشطاً متطرفاً كانوا فارين من العدالة». وتبيّن أن الأمر لم يتعلق بـ «شبكات سرية» ولا بـ «جهاديين فارين من العدالة». فالنشطاء الـ 19 الذين اعتُقلوا ينتمون إلى جمعية «فرسان العزة»، التي جرى الترخيص لها رسمياً في فرنسا مطلع عام 2010، كـ «جمعية خيرية»، ثم حظرت وزارة الداخلية نشاطها في 29 شباط الماضي، بتهمة أنها تروّج على موقعها الإلكتروني بأن «القانون الإسلامي (الشريعة) يجب أن يجري تغليبه على القانون الوضعي الفرنسي».
تجدر الإشارة إلى أن «فرسان العزة» تنتمي إلى «السلفية العلمية» (غير الجهادية)، ويرأسها الفرنسي من أصل أردني محمد الشملان، الذي يعد من أتباع شيخ السلفيين في الأردن، أبو محمد المقدسي.
وكانت الجمعية قد لفتت الأنظار في فرنسا بنشاطاتها المعارضة لقوانين منع الحجاب والنقاب. وسُلطت عليها الأضواء أكثر، إثر استدعائها وسائل الإعلام لتغطية بعض المبادرات الرمزية التي كانت تقوم بتنظيمها، مثل تشجيع المنقبات على تحدّي رجال الشرطة من خلال قيادة السيارات بالنقاب، والتكفل بدفع المخالفات المرورية نيابه عنهن، كما سن «فرسان العزة» أيضاً حملات للدعوة إلى مقاطعة محالّ «ماكدونالدز» و«ستاربكس»، بسبب اشتراكها في تمويل بناء المستوطنات الإسرائيلية.
لكنّ الجمعية كانت تعارض في أدبياتها وتصريحاتها الإعلامية أيّ لجوء إلى العنف أو الإكراه، لذا لم ترِد في قرار الحظر الذي أصدرته وزارة الداخلية الفرنسية ضدها، الشهر الماضي، أي إشارة إلى «توجّه جهادي» أو «تخطيط لأعمال مسلحة»، ما دفع العديد من الخبراء إلى استغراب الأسلوب الذي جرت به هذه المداهمات، والتوقيت الذي اختير، لأنه «يذكِّر بعمليات الدهم الاستعراضية، التي تعوّد قاضي مكافحة الإرهاب السابق، جان لوي بروغير، القيام بها، بحجة طمأنة الرأي العام، كلما دار الحديث عن مخاطر إرهابية فعلية أو مفترضة».
أما عن التحول المفاجئ لـ «فرسان العزة» نحو العمل الجهادي وتخزين الأسلحة، فيقول الخبير رولان جاكار، «رئيس المرصد الدولي للإرهاب»، لـ «الأخبار»: «إن الواضح أنه لو كانت لهذا التنظيم توجهات جهادية أو ذراع مسلحة سرية، لأُدرج ذلك في قرار الحظر الذي أُصدر ضده الشهر الماضي. وفي هذه الحالة، كان يجب أن تجري المداهمات آنذاك، ولا يعقل أن تنتظر أجهزة مكافحة الإرهاب قرابة شهر قبل تفكيك الذراع المسلحة إن وجدت». ويتابع جاكار: «إذا كان «فرسان العزة» في الأصل تنظيماً غير جهادي بالفعل، ولم يخطط لتخزين أسلحة أو القيام بعمليات مسلحة سوى بعد صدور قرار وزارة الداخلية بحظر نشاطه ـــــ وهذا ما يجب أن يحدّده التحقيق، فإن ذلك سيطرح إشكالية شائكة، لأن حظر نشاطات الجمعيات التي تتطلع للعمل على نحو قانوني، حتى لو كانت سلفية، قد يكون سلاحاً ذا حدين، لأنه قد يدفع بها إلى مزيد من الراديكالية والتطرف».