باريس | تسارعت الأحداث، أمس، في فرنسا بعد توصل المحققين في هجمات مدينة تولوز، التي وقعت الاثنين، إلى قرائن ساعدتهم على تحديد هوية الجاني ومحاصرته في حي سكني ميسور، وسط تولوز، فيما أكدت مصادر وزارة الداخلية الفرنسية، أن مرتكب سلسلة الاعتداءات، التي بدأت باغتيال ثلاثة جنود فرنسيين من أصول مسلمة، وانتهت بالهجوم على مدرسة «أوزار هاتورا» أو (كنز التوراة)، اليهودية، هو ناشط سلفي فرنسي من أصل جزائري يدعى محمد مراح (24 سنة).
وتمكن المحققون من تقفي آثار المشتبه به، من خلال رسائل إلكترونية تبادلها مع أحد الجنود الذين اغتالهم الأسبوع الماضي، لاستدراجه إلى مكان الجريمة، بحجة بيعه دراجة نارية.
ومن خلال البصمة الإلكترونية للكومبيوتر، الذي أُرسلت منه تلك الرسائل، أمسك المحققون بطرف الخيط، الذي أوصلهم إلى شقة تقطنها والدة الجاني، واثنتان من أخواته. وسرعان ما تبين أن اثنين من أبناء العائلة مسجلان في بنك المعلومات، المتعلق بالشبكات الإرهابية في ملفات الاستخبارات الداخلية الفرنسية.
فقد جرى استجواب الجاني من قبل أجهزة مكافحة الإرهاب، سنة 2010، عند عودته إلى فرنسا بعد رحلة قادته إلى أحد معسكرات التدريب التابعة لـ «القاعدة» في باكستان، لكنّ السلطات أخلت سبيله، باعتباره «عنصراً قليل التأهيل ولا يمثل خطراً جداً»، ثم صُرف النظر عنه نهائياً، بعد إخضاعه للرقابة البوليسية لمدة ستة أشهر. أما الأخ الأكبر للجاني، البالغ من العمر 27 سنة، الذي يُعتقد أنه ساعده لوجيستياً خلال الهجمات، فيُعدّ من الوجوه السلفية المعروفة من قبل دوائر الشرطة في تولوز، لكنه ينتمي إلى فصيل سلفي غير جهادي هو «فرسان العزة»، الذي حظرته وزارة الداخلية الفرنسية، منتصف الشهر الماضي.
وقال وزير الداخلية، كلود غيون، في مؤتمر صحافي عقده ظهر أمس، أن المشتبه فيه «شخص ثرثار، وتحدّث باستفاضة مع مفاوضي الشرطة، واصفاً نفسه بأنه مجاهد ينتمي إلى تنظيم «القاعدة»، ويقاتل في سبيل الله».
أما عن دوافع العمليات التي نفذها، فقد كشف الجاني لمفاوضي الشرطة، الذين تحادثوا معه طوال ساعات عن طريق جهاز لا سلكي، أنه اغتال الجنود الفرنسيين الأسبوع الماضي، «للقصاص من الجيوش الفرنسية بسبب مشاركتها في الحرب إلى جانب القوات الصليبية في أفغانستان». أما الهجوم على المدرسة اليهودية، فقال إن الهدف منه هو «الانتقام لأطفال غزة».
هذه القرائن التي تربط هجمات تولوز بحركات الإسلام الراديكالي، وضعت حداً لـ «الهدنة السياسية» التي أُعلنت قبل يومين، حيث فتحت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، النار على بقية مرشحي الرئاسة.
فمن جهة، اتهمت لوبان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحكومته بـ «التقصير في التصدي للتطرف الإسلامي بالحزم والصرامة اللازمين»، ومن جهة أخرى، حملت بشدة على «الأوغاد الذين حاولوا توجيه الاتهام إلينا»، في إشارة إلى مرشحي الوسط، فرانسوا بايرو، واليسار، جان ـــــ لوك ميلانشون، بعدما انتقدا «الخطاب اليميني المتطرف، الذي أشاع في فرنسا أجواءً غير مسبوقة من الحقد العنصري». وهو ما دفع ميلانشون إلى الرد على لوبان، قائلاً: «كون مرتكب اعتداءات تولوز إسلامياً متطرفاً لا يختلف في شيء عما لو كان من النازيين الجدد. فنحن ندين بالقدر نفسه من الصرامة كل الذين يمارسون العنف والإقصاء والتفرقة العرقية أو الدينية، مهما كانت مرجعياتهم الفكرية».
وحرص ساركوزي على استقبال ممثلي الجاليات اليهودية والإسلامية لمطالبتهم بالتهدئة، تفادياً لأي احتقان طائفي. وجدّد الرئيس الفرنسي نداءات التهدئة، خلال إشرافه على المراسيم العسكرية لجنازة الجنود الذين اغتيلوا في «مونتوبان»، قائلا: «إن الجاني استهدف الطائفيتن المسلمة واليهودية، لكننا نرى أن الضحايا هم جميعاً أبناء فرنسا».
وبالرغم من مسارعة وسائل الإعلام الفرنسية إلى التصديق على رواية ارتباط الجاني بتنظيم «القاعدة»، إلّا أن «مناطق ظلّ كثيرة لا تزال تحيط بدوافع مرتكب الاعتداءات»، حسبما يقول الخبير في القضايا الإرهابية ريشار لابيفيير.
فخطاب الجاني يبدو ملتبساً وغير متناسق، وقد فسّر اغتياله الجنود الفرنسيين بالقصاص من مشاركة فرنسا في حرب أفغانستان، لكن المحققين اكتشفوا أنه تقدّم مرتين إلى امتحان الالتحاق باللفيف الأجنبي في الجيش الفرنسي، ورُفض لأنه من أصحاب السوابق، كما أنه يصف نفسه بأنه «فدائي جهادي»، لكنه يقول لمفاوضي الشرطة إنه يريد التفاوض حول شروط تسليم نفسه، لأنه لا يريد أن يموت.
هذا الخطاب، يقول لابفيير، لا يتوافق مع الإيديولوجيا الجهادية المعتادة. لذا، فالأرجح أن الأمر يتعلق بـ «شخص مختل نفسياً، مصاب بنوع من البارانويا، التي تدفعه إلى تصور نفسه مقاتلاً جهادياً، فيما هو غير مرتبط بأي شبكة إرهابية حقيقية، ومن الواضح أنه لم يتلق الحد الأدنى من التدريب والتأهيل، الذي يحظى به الجهاديون عادة». مشيراً الى أن تقفّي بصمة الكومبيوتر الذي كان الجاني يرسل منه بريده الإلكتروني بسهولة، يؤكد أنه لا يتبع للجهاديين.

تشييع قتلى تولوز... وفيّاض يدين المتاجرة بـ«دماء الفلسطينيّين»



فيما كان الإسرائيليّون في القدس المحتلة يشيّعون اليهود الأربعة الذين قتلوا الاثنين الماضي في إطلاق نار في تولوز جنوب غرب فرنسا، نددت السلطة الفلسطينية بـ«المتاجرة بالدماء الفلسطينية»، ولا سيما بعدما كانت السلطات الفرنسية قد أعلنت أن منفّذ الاعتداء كان ينتقم للأطفال الفلسطينيين.
وجرت مراسم التشييع التي استمرت ساعتين في أكبر مدافن القدس المحتلة، هار همينحوت الكبرى، في حي غيفعات شاوول، بمشاركة ألفي شخص على الأقل. وقد شارك المشيعون في جنازة الفرنسيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، جوناثان ساندلر (30 عاماً) وولديه غابريال (4 سنوات) وأرييه (5 سنوات) بالإضافة إلى ميريام مونسونيجو (7 أعوام).
وقال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه، الذي سافر إلى إسرائيل على متن الطائرة نفسها التي نقلت الجثامين الأربعة من فرنسا، خلال مؤتمر صحافي في القدس المحتلة، إنه «بطريقة ما غرق دم بلدينا في مدرسة أوزار هاتوراه (كنز التوراة) الاثنين». وخلال لقائه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في القدس، أكد جوبيه أن إسرائيل تستطيع «الاعتماد علينا» لمحاربة معاداة السامية. وتابع: «نحن ملتزمون الحماسة نفسها في حربنا على الإرهاب. هذه الآفة في أجزاء كثيرة من العالم، ومن بينها للأسف الآن فرنسا».
وأول المتكلمين في الجنازة كان رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين، الذي أكد أن «إسرائيل برمّتها معنا في إدانة هذا القتل الدنيء». وأضاف: «كل الجماعات اليهودية معنا في مواجهة القتلة. الشعب اليهودي يواجه وحوشاً مفترسة تقتل يهوداً من دون تفرقة». وأشاد القادة الإسرائيليون بموقف فرنسا ورئيسها نيكولا ساركوزي.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مستهل لقاء مع جوبيه بحسب بيان رسمي، تقديره «للموقف الواضح والحاسم للرئيس ساركوزي والحكومة الفرنسية في مواجهة هذا الهول». وقال إن «الإرهاب هو اعتداء منهجي ومدبّر له على مدنيين وهجوم مخطّط له على أطفال، ويوجد فارق أساسي بين هذا الاعتداء المدبّر على مدنيين وأطفال وبين المساس غير المتعمّد بالمدنيين الذي يُعتبر جزءاً من عمليات قتالية مشروعة موجّهة إلى الإرهاب».
وأشار إلى أنه «إذا لم نحدّد هذا الفارق، وإذا سمحنا بمثل هذه المقارنة الكاذبة، فإن الإرهابيين سينتصرون عندئذ، وإذا حدّدنا هذا الفارق، فنحن سننتصر على الارهاب. إنني أؤمن بأن هذا هو الموقف الفرنسي، وهذا هو الموقف الإسرائيلي».
أما نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، فقال خلال استقباله جوبيه: «ثمة رابط بين هذه الجريمة والاعتداءات التي استهدفت أخيراً دبلوماسيينا، إنها الكراهية التي يكنها المتعصبون الإسلاميون لكل من لا يعلن انتماءه إلى الإسلام المتطرف». وقال وزير الداخلية إيلي يشائي «نحن ننتظر أن تقوم فرنسا بكل ما هو ضروري لضمان أمن الجالية اليهودية».
في غضون ذلك، ندد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض «بالمتاجرة باسم فلسطين» لتبرير أعمال «إرهابية». وقال في بيان إنه «آن الأوان لهؤلاء المجرمين للتوقف عن المتاجرة بأعمالهم الإرهابية باسم فلسطين أو ادعاء الانتصار لحقوق أطفالها الذين لا يطلبون سوى الحياة الكريمة»، مستنكراً محاولة ربط هذا «العمل الإرهابي بالتضامن مع أطفال فلسطين وشعبها».
(أ ف ب، يو بي آي)