كشفت أوساط قريبة من مرجعية النجف عن أن المرجع آية الله السيد علي السيستاني اتخذ قراراً قبل أشهر بالامتناع عن استقبال السياسيين العراقيين، في خطوة تعكس امتعاضه من أدائهم واستيائه من سوء الخدمات ومستويات الفساد الإداري والمالي في البلاد. وقالت هذه الأوساط إن «الحكاية بدأت قبل نحو عام ببيان للسيد أشار فيه إلى سوء النهج في إدارة الدولة وضرورة إعادة النظر في رواتب الوزراء والنواب والرئاسات الثلاث». ويقول هذا البيان، الصادر في 26 شباط 2011، إن المرجعية «تدعو مجلس النواب والحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة، ولا سيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل للعاطلين (من العمل) ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة
، وقبل هذا وذاك، اتخاذ قرارات خاصة بإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت للأعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم، والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلّف سنوياً مبالغ طائلة من أموال هذا الشعب المحروم وإلغاء ما يوجد منها حالياً»، مع «تحذير من مغبّة الاستمرار على النهج الحالي في إدارة
الدولة».
وشددت تلك الأوساط على أنه «ما لم تجد هذه المشاكل حلولاً فإن السيد السيستاني يأخذ مسافة من الطبقة السياسية في عمومها. هو عملياً يقاطع السياسيين العراقيين. لا يعني هذا أبداً مقاطعة للعملية السياسية»، مشيرة إلى أنه استقبل خلال الأشهر الماضية مسؤولين عرباً وأمميين وإيرانيين، لكنه لم يستقبل أي مسؤول عراقي.
وفي سؤال بشأن رفض السيستاني الاستجابة لطلب رئيس الوزراء نوري المالكي اللقاء به، قالت الأوساط نفسها «لقد حاول (المالكي) أكثر من مرة الالتقاء بالسيد، وهو ما لم يحصل. للأمانة، الموضوع ليس شخصياً، بل هو نتيجة قرار المرجعية مقاطعة جميع السياسيين، فالسيد ليس له إلا الناس والناس ليس لهم إلا السيد».
وشددت المصادر على أن «موقف المرجعية هذا هو رسالة إلى السياسيين بأن نهجكم غير سليم ومسيء للناس، وللناس بأن هؤلاء السياسيين لا يمثلون المرجعية، أو على الأقل لا يحظون برضاها، وفي النهاية الناس تعرف تكليفها وتعرف
خياراتها».
وفي السياق، تؤكد أوساط المالكي أن «استياء السيستاني يعود في أصله إلى يوم طلب من النواب والوزراء والرؤساء خفض رواتبهم ليرفعوا بعض العبء عن كاهل المواطنين، لكنّ هؤلاء، وبينهم من يدين منذ البداية بالولاء للسيستاني كما يدين له بمنصبه نفسه، عندما شعروا أن الأمر وصل إلى جيوبهم، تمنّعوا عن تنفيذ تعليماته». وتقول إن «السيد رأى، على ما يبدو، أن النواب الذين أتت بهم عباءته إلى البرلمان، كانوا يطيعونه لما كانت الطاعة لمصلحتهم، لكنهم عندما شعروا أن التضحيات باتت مطلوبة منهم تخلوا عنه».
هناك أمر آخر، تضيف المصادر نفسها، ويعود إلى أيام المفاوضات لتأليف الحكومة الحالية. وقتها كانت نتيجة الانتخابات قد أعطت 12 مقعداً لحزب الدعوة ـــ تنظيم العراق الذي يتزعمه خضير الخزاعي. بحسب هذه النتيجة، يفترض أن يحصل الحزب على الأقل على وزارة سيادية، لكن قوة المنافسة حالت دون ذلك، فوُعد بالحصول على منصب نائب لرئيس الوزراء. ولما استحال تنفيذ هذا الوعد، قيل له إنه ستجري إضافة نائب ثالث لرئيس الجمهورية يكون من حصة هذه القائمة. وتقول هذه المصادر «وقتها كان موقف السيد السيستاني وجوب إلغاء كل هذه المناصب التي لا طعم لها، مثل نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء، وخاصة أنها تكلف المواطنين الكثير على شكل رواتب وحمايات، فضلاً عن أنه مسرب لنفقات أخرى. ولما لم يجد صدى لصوته، امتعض وعاتب السياسيين على أنهم لا يطيعونه، واتخذ قراره بمقاطعتهم كلهم، وما عاد يستقبل رؤساء ولا نواب رؤساء ولا وزراء ولا نواباً عراقيين. بل حتى امتنع عن استقبال مسؤولي المحافظات وأعضاء الوقف الشيعي».
وترى هذه المصادر أن «بعض الأوساط تحاول أن توجه هذا الموقف ضد المالكي، بل هناك أوساط محسوبة على السيستاني لكن لها صلات بجهات سياسية ثانية، تحاول استهداف القمة العربية، واستهداف المالكي انتخابياً»، مشددة على أن «السيستاني لا يستهدف المالكي، لا بشخصه ولا بموقعه ولا بحزبه، بل يستهدف كل الطبقة السياسية. موقفه هذا تجاه الطيف السياسي كله».
وفي تأكيد لما ذهبت إليه، تشير أوساط المالكي إلى أنه «أخيراً، تم إرجاء فعاليات «النجف عاصمة الثقافة الإسلامية» التي كان مقرراً إقامتها في النجف في 15 من شهر آذار الجاري، بسبب رفض السيستاني استقبال أي مسؤول عراقي. ذلك أنه في فعاليات كهذه سيأتي ضيوف عرب ودوليون مثل شيخ الأزهر الذي قد يرغب في زيارة المرجعية، ولا بد أن تكون برفقته شخصية عراقية. هذا الأمر أشعر الحكومة بالحرج». وتضيف أن «المسؤولين شعروا أن المرجعية غير راضية عن هذه الفعاليات وترى أنه لم تجر استشارتها فيها، فضلاً عن أنها تتحدث عن اتهامات بالفساد في خلال أعمال الإعداد لهذه الفعاليات»، لافتة إلى أنه «لهذا السبب ذهب حسين الشهرستاني (الذي كان عام 2005 من النواب المحسوبين على المرجعية)، بصفته المشرف العام على هذه الفعاليات، إلى المرجع إسحق الفياض، ليشرح له أن هذه الفعاليات مهمة للبلد وللنجف وللوضع الشيعي ومناسبة للتعايش والانفتاح على الآخرين ولتعزيز ثقافة الحوار والإطلالة على تفاصيل المذهب».
وتتابع أن «الفياض ذهب إلى السيستاني ليحاول تعديل موقفه. لكنه لما عاد، أبلغ الشهرستاني أن السيد لا يزال مستاءً، عندها قام الشهرستاني ونصح المالكي بتأجيل الفعاليات».
وتعترف أوساط المالكي بأن «التجهيزات لإطلاق الفعاليات لم تكتمل كلها في الوقت المحدد، وبأنه كان هناك بطء شديد في تنفيذ المشاريع والإعداد، خاصة تأليف اللجان واتخاذ القرارات المناسبة، لكننا في النهاية حصلنا على أضخم قصر ثقافة (نحو 20 ألف متر مربع) في العراق كله، إن لم يكن في المنطقة العربية كلها. مدينة ثقافية (70 ألف متر مربع من البناء) بكل ما للكلمة من معنى، فيها أضخم مسرح وأضخم مقر إذاعي، فضلاً عن 20 فندقاً من أربع إلى 5 نجوم لاستقبال الضيوف. كل ذلك يفترض أن يتم تسليمه في الأول من شهر نيسان المقبل، أي بعد نحو 14 شهراً فقط على بدء العمل به في 26 شباط 2011».
وتقول هذه الأوساط إن «المقربين من المرجعية يحاججون بأمرين؛ الأول أنها لم تُستشر، علماً بأننا أكدنا مراراً أنه في حال أرادت المرجعية القيام بأي نشاط خلال هذه الفعاليات فإن المنظمين مستعدون لتنفيذ ذلك على أكمل وجه والتعهد برعايته أمنياً ومالياً. والثاني وجود شبهات فساد، علماً بأننا طرحنا منذ البداية فكرة تأليف لجنة تضم ممثلين عن كل الأجهزة الرقابية وأجهزة المحاسبة في الدولة مع ممثل عن المرجعية، وتكون هذه اللجنة مخولة بتّ كل شبهة فساد تحصل».
من جهتها، تؤكد الأوساط القريبة من المرجعية أن هذه الأخيرة «لم تطالب بتأجيل ولا بإلغاء الفعاليات، بل كان موقفها واضحاً وبسيطاً، وهو أن لا علاقة لنا بها وأننا لن نستقبل أحداً من المسؤولين العراقيين المشاركين فيها، التزاماً بقرار مقاطعة جميع السياسيين».
وتضيف أن «هذا المشروع عمره أربع سنوات، من عام 2008 حتى اليوم لم يحصل فيه أي شيء جدي. هناك نقاش في نهج هذا المشروع». وتضيف أن «منظمي المشروع عرضوا على المرجعية انتداب ممثل في لجنة لمواجهة الفساد يعتزمون تأليفها، لكنها اعتذرت تحت عنوان أن هذا الأمر لا يعنينا».