باريس | قبل أن تُصدِر محكمة الجنايات الخاصة الفرنسية حكمها بالسجن المؤبد بحق كارلوس، في 15 كانون الأول الماضي، كان المناضل الأممي الفنزويلي قد أعلن في مرافعته الختامية أنه سيطعن في الحكم بسبب عدم أهلية المحكمة الخاصة، وعدم توافر شروط المحاكمة المنصفة، وفقاً لما تنص عليه معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية.
ولم تكن هيئة الدفاع عن كارلوس تتوقع أن حجة إضافية ستأتي للتشكيك أكثر في أهلية المحكمة الفرنسية وصدقيتها، وذلك بعدما تبيَّن أن أحد القضاة الذين كانوا من أعضاء «هيئة المحلفين»، التي أصدرت حكم المؤبد بحق كارلوس، ضُبط متلبساً بسرقة قطعة أثاث نادرة من مقر المحكمة أثناء المداولات التي سبقت إصدار الحكم!
وقالت محامية كارلوس، إيزابيل كوتان باير، في تصريح خاص بـ«الأخبار»: «لقد حاول رئيس المحكمة إخفاء هذه الواقعة على هيئة الدفاع، لأنه يدرك جيداً أن ضبط أحد القضاة سارقاً يمثّل خرقاً سافراً لقَسَم القضاة ولقانون واجبات أعضاء هيئات المحلّفين»، وبالتالي كان على القاضي أن «يعلن حل هيئة المحلفين وإبطال الحكم فور إبلاغه بواقعة السرقة».
وتجدر الإشارة إلى أن «هيئات المحلفين» تتألّف عادة من مواطنين يُختارون بالقرعة من القوائم الانتخابية. لكن رئيس المحكمة الخاصة التي أُلِّفت لمحاكمة كارلوس، جاك ديغرانديه، قرّر أن يكون جميع أعضاء هيئة المحلفين من القضاة المحترفين، مبرراً ذلك بـ«الطابع الاستثنائي لشخصية كارلوس وخصوصية التهم الموجهة إليه». وبناءً على هذه المعطيات، ترى هيئة الدفاع عن كارلوس أن أعضاء هيئة المحلفين المذكورة تنطبق عليهم التزامات سلوكية مزدوجة؛ من جهة بفعل «قسَم القضاة»، الذي يقسم بموجبه كل قاض أن «أؤدي وظيفتي بأمانة وأتّسم في كل ما أفعله بسلوك مشرّف وأمين»، ومن جهةٍ ثانية بفعل «قانون واجبات أعضاء هيئات المحلفين»، الذي ينص على أن المحلفين يجب أن «يتصرّفوا بما يتوافق مع الضمير الإخلاقي لإنسان حر ومستقيم».
وترى محامية كارلوس أن ضبط أحد قضاة هيئة المحلفين أثناء المداولات متلبساً بالسرقة يتنافى مع قسم القضاة ومع واجب الاستقامة المشترط في أعضاء هيئات المحلفين. وبالتالي، ترى المحامية أن «رئيس المحكمة كان يجب أن يكشف على تلك الواقعة فوراً، وأن يعلن إبطال الحكم لعدم أهلية هيئة المحلفين». وتضيف المحامية: «بدلاً من ذلك، سعى رئيس المحكمة إلى التستر على الواقعة، بحيث لم تعرف بها هيئة الدفاع سوى يوم 23 كانون الأول الماضي، أي بعد ثمانية أيام من وقوعها. الشيء يعد دليلاً إضافياً على عدم حياديته، وبالتالي على عدم توافر شروط المحاكمة المنصفة».
وعلمت «الأخبار» أن هيئة الدفاع عن كارلوس وجهت إلى رئيس المحكمة، جان ديغرانديه، مذكرة رسمية بتاريخ 3 كانون الثاني الحالي لمطالبته بأن يبلغها في أقرب الآجال بالحلول التي يقترحها لمعالجة إشكالية البطلان القانوني لحكم السجن المؤبد الصادر بحق كارلوس، بفعل عدم أهلية أحد أعضاء هيئة المحلفين. وقالت المحامية كوتان باير «إن لم يتجاوب رئيس المحكمة مع مطالبنا بإبطال الحكم، فإننا سنضمّ هذه الحجة إلى الحجج المتعددة التي ستتضمنها مذكرة الطعن التي سنتقدّم بها أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية».
أما عن توقعاتها بخصوص ردّ فعل رئيس المحكمة، فتقول المحامية «إن الخرق القانوني واضح ودامغ وغير قابل للنقاش. لكن، هذه ليست المرة الأولى التي يتورط فيها القضاء الفرنسي في خروق قانونية سافرة بحق كارلوس»، والتي دفعته إلى رفع دعوى قضائية في 7 تشرين الأول الماضي ضد الدولة الفرنسية بسبب كل تلك الخروق. وإذا لم يتجاوب رئيس المحكمة مع مطالب هيئة الدفاع عنه، يُرتقب أن يثير كارلوس واقعة القاضي ـــــ السارق عند النظر في دعواه ضد الدولة الفرنسية، خلال الربيع المقبل.