هذه الوثيقة بمثابة نظرة تصورية إلى المنافع الاقتصادية المحتملة المتأتية من سلام حقيقي في الشرق الأوسط؛ ليست تقويماً استخبارياً لما سيحدث في إطار تسوية سلام. هناك ثلاثة شروط حاسمة مفترضة. الشرط الأول: تسوية سلام تقبلها الأطراف جميعها. أما الثاني، فهو أن تكون المساعدات الخارجية كافية لتغطية الاحتياجات التمويلية المنطقية كلها. والثالث هو بناء الثقة المتبادلة، لكن بما أنّ بناء الثقة المتبادلة يستغرق وقتاً طويلاً، سيجري تفريق المنافع التي قد تتبع بسرعة نوعاً ما معاهدة السلام، عن المنافع التي قد لا تتجلى قبل سنوات طوال.

قد تحقق تسوية سلام عربية ــ إسرائيلية بسرعة بعض المنافع الاقتصادية المهمة لمصلحة دول المواجهة إذا نصت على انخفاض كبير في القوات العسكرية.
بالنسبة إلى إسرائيل من شأن سلام مماثل أن:
-- يسمح باقتطاع في الإنفاق العسكري الذي تبلغ قيمته 4 مليارات دولار، الذي يمثّل 40 في المئة تقريباً من موازنة الدولة، ما يوازي تقريباً الحصة نفسها من الناتج القومي الإجمالي، ضعفي مستوى الاستثمار المدني وثلثي مستوى الاستهلاك الشخصي.
-- يخفف النقص الحالي في اليد العاملة المدنية من خلال تسري جزء من المؤسسة العسكرية التي تستوعب الآن 15 في المئة تقريباً من اليد العاملة المتاحة.
-- ينتج انخفاضاً حاداً في معدّل الاغتراب – الذي يقدّر الآن بألف نسمة شهرياً – ويحفّز الزيادة في معدّل الهجرة.
-- يحفّز نمواً أسرع حتى في السياحة، المزدهرة أصلاً.
-- بالنظر إلى هذه المكاسب جميعها، تستطيع إسرائيل أن تتوقع منطقياً تمكنها من الحفاظ على نمو حقيقي في الناتج القومي الإجمالي يوازي معدل ما قبل الحرب أي 10 في المئة سنوياً
وبالنسبة إلى الدول العربية، من شأن تسوية سلام أن:
-- تساعد على ترشيد التخطيط التنموي، أن تفتح المصادر المحلية لتمويل المشاريع، وتحسّن مناخ الاستثمار الأجنبي.
-- تضمن استمرارية الازدهار السياحي الحالي.
-- تحرر اليد العاملة الماهرة التي تظهر حاجة ماسة إليها لتولي مهمات مدنية في سوريا والأردن.
-- تسمح لمصر بالمضي قدماً في مشروع تطوير نفط قناة السويس الواعد، الذي تعرقله الآن إسرائيل. خلال السنوات العديدة المقبلة، تستطيع القاهرة أن تشهد تدفق 400 ألف برميل نفط تقريباً في اليوم (ما يوازي مليار دولار سنوياً).
في ظل افتراض إضافي بحدود مفتوحة أكثر، تدفق اليد العاملة والرساميل بحرية أكبر، تعاون إقليمي محدود، يمكن توقع منافع إضافية.
-- سبق أن توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تمهيدي بشأن توزيع الموارد المائية لنهر اليرموك، على الرغم من ضرورة اتخاذ القرارات الهندسية قبل إطلاق المشروع. كذلك من شأن اتفاق سلام أن يمهّد الطريق أمام مشاريع مائية أخرى، وبخاصة اتفاقات بشأن تقاسم مياه نهر الليطاني التي تذهب هدراً الآن.
-- أبدى الاردن واسرائيل اهتماماً بالاستغلال المشترك لرواسب البوتاس في البحر الميت.
-- قد يكون التعاون فعالاً جداً في توسيع وتحديث شبكة الطرقات في المنطقة والتخلص من مرافق الخطوط الجوية الزائدة. في المقابل، إنّ شبكة مواصلات متكاملة ستكون بمثابة هدية لقطاع التصنيع، الزراعة التجارية والسياحة.
-- تستطيع اسرائيل تطوير خطوط تصدير إلى الدول العربية فريدة ومربحة للطرفين، تشمل مجموعة واسعة من السلع والخدمات المتخصصة في مجال الطب، الزراعة، الهندسة، التدريب التعليمي/ المهني، وتصليح وصيانة المركبات والطائرات.
-- لن يؤدي تدفق أكثر حرية لليد العاملة في كافة أنحاء المنطقة إلى التوظيف الكامل في الضفة الغربية وقطاع غزة وحسب، حيث انخفضت البطالة إلى حد كبير بفعل الازدهار النفطي في الشرق الأوسط، لكنّه سينتج أيضاً طلباً كبيراً على اليد العاملة المصرية الفائضة.
في ظل الافتراض الهائل ببناء ثقة حقيقية عربية إسرائيلية يمكن الاضطلاع بالمزيد من المشاريع الطموحة. على مر السنين، جرت دراسة أفكار مشاريع عديدة من بينها:
-- قناة تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت وتتيح تطوير الطاقة الكهرومائية من أجل مجمّع صناعي متعدد الأوجه يستخدم الموارد المعدنية بالقرب من البحر الميت.
-- مشاريع مشتركة نووية وذات صلة بمصادر طاقة أخرى.
-- خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من المملكة العربية السعودية إلى اسرائيل والاردن وسوريا، لاستعماله وقوداً صناعياً ومادة خاماً لانتاج البتروكيماويات.

التأثير الاقتصادي للسلام

1. من شأن تسوية سلام حقيقية أن تولّد تغييراً جذرياً من عقلية الحصار الحالية إلى نظرة متفائلة إلى المستقبل. تشمل المنافع الملموسة على المدى القصير انخفاض العبء الدفاعي وتحوّل الموارد إلى الاقتصاد المدني.
سيكون هذا المكسب أكبر بالنسبة إلى اسرائيل، التي صبّت معظم اهتمامها على المجال العسكري منه بالنسبة إلى العرب منذ حرب عام 1973. أما المنافع البارزة الأخرى، مثال النمو في التجارة داخل المنطقة وبرامج التنمية الوطنية والاقليمية، فتستغرق وقتاً أطول.

اسرائيل

2. اسرائيل هي دولة المواجهة الأساسية الوحيدة التي تملك أسوأ اقتصاد اليوم مقارنة بما قبل حرب عام 1973. أجبر العبء الفائض في برنامج عسكري ضخم الاسرائيليين عام 1974 على انشاء برنامج تقشف. منذ الحرب:
نما الناتج القومي الاجمالي بنسبة 1 – 2 في المئة سنوياً فقط، مقارنة بـ10 في المئة قبل عام 1973؛
تجاوز المعدل السنوي للتضخم الـ35 في المئة، مقارنة بـ10 – 15 في المئة قبل عام 1973، ويُعزى ذلك على نحو كبير إلى أنّ الانفاق على الدفاع يستنفد 40 في المئة من الناتج القومي الاجمالي؛ يوازي العجز في الحساب الجاري الذي يبلغ 3 مليارات دولار ثلاثة أضعاف مستوياته ما قبل الحرب؛ انخفض احتياطي النقد الأجنبي إلى 1.3 مليار دولار، مقارنة بذروة تقدّر بـ1.8 مليار دولار خلال الأشهر التي تلت الحرب مباشرة؛ توقف نشاط البناء، والواردات غير العسكرية بالكاد ارتفعت خلال السنتين الماضيتين؛ وانخفضت الهجرة الصافية، 30 ألف شخص سنوياً في مطلع سبعينات القرن الماضي، وباتت شحيحة.
3. سيكون للسلام تأثير ايجابي فوري كبير على اسرائيل، فالانفاق المنخفض على الدفاع سيسمح، أو يضغط في الواقع على الحكومة، من أجل تخفيف برنامج التقشف واستئناف نشاط البناء المدني. وستتمثل النتيجة في تراجع التضخم وزيادة حادة في الواردات غير العسكرية، الاستثمار والانتاج الصناعي.
4. في الوقت عينه، قد تمحو الخفوضات في الدفاع، حتى مع زيادة معتدلة في انفاق من نوع آخر، بسهولة العجز في الموازنة – أحد أبرز المحفزات على التضخم. سيُطلَق العمال المهرة في القطاع المدني، مما سيريح سوق العمل الضيقة. يستوعب الجيش حالياً 15 في المئة من اليد العاملة المتوافرة في اسرائيل، بما في ذلك الجيش النظامي وقوامه 160 ألف جندي وفترة التدريب الاحتياطي ومدتها شهر تقريباً في السنة لكل شخص.
5. قد ينعكس السلام وانخفاض الايرادات العسكرية أرباحاً مباشرة في وضع الحساب الجاري لاسرائيل. ستقابل الزيادة المتوقعة في الواردات المدنية بإيرادات أعلى ناتجة من الخدمات والتحويلات الخاصة ومن الارتفاع المستمر في صادرات السلع.
6. سيجذب السلام بسرعة موارد جديدة إلى اسرائيل. ستنمو السياحة المزدهرة أصلاً بسرعة أكبر. كذلك، سيرتفع الاستثمار الأجنبي إلى حد كبير، وخصوصاً في قطاع السياحة وقطاعات اعادة التصدير كالالكترونيات. من شأن المهاجرين الجدد، وتراجع الهجرة، أن يعززا تدفق اليد العاملة إلى الاقتصاد المدني الاسرائيلي. كذلك، ستتمكن اسرائيل طبعاً من توظيف عمال في قطاع غزة والضفة الغربية فُصلوا من عملهم خلال فترة التباطؤ ما بعد الحرب.

الدول العربية

7. على النقيض من اسرائيل، منذ الحرب تمكنت دول المواجهة العربية من تقديم أداء جيد. عززت مصر وسوريا والأردن معدلات النمو الاقتصادي، كاشفة عن برامج تنمية وإعادة إعمار ضخمة. باستثناء مصر، حيث تبقى البطالة الجزئية مستوطنة، اختفت البطالة حتى في صفوف اللاجئين الفلسطينيين. تمثلت المشكلة الأساسية في الأزمات المالية الدورية، وبخاصة في مصر التي كانت تعاني عجزاً مزمناً.
8. وحدها مصر من بين الدول العربية كلها تواجه معضلة خطيرة تتمثل إما في الانفاق على الدفاع أو الانفاق المدني. تفتقر القاهرة إلى الموارد المحلية لتنمية القطاعين العسكري والمدني معاً، حتى إن توافر النقد الأجنبي المطلوب. لا تملك أي من الدول العربية الآن صناعات دفاعية ذات قيمة، والجداول العسكرية تمثل استنزافاً خطيراً للقوة العاملة في الأردن فقط. باستثناء سوريا ربما، لم تتكبّد دول المواجهة العربية أي ديون عسكرية ضخمة جديدة منذ عام 1973؛ عملياً موّلت الدول النفطية العربية كافة مشتريات الأسلحة من الغرب.
9. المنفعة الاكثر الحاحاً من السلام بالنسبة إلى مصر تتمثل في القدرة على توسيع نطاق تطويرها لحقول النفط ذات الامكانات العالية في خليج السويس؛ فالاسرائيليون يعرقلون الآن العمليات. سينتِج التطوير السريع للحقول 400 ألف برميل نفط في اليوم، ما يوازي مليار دولار تقريباً بالنسبة إلى القاهرة. يمثّل نفط السويس قطاع الصادرات الواعد جداً بالنسبة إلى مصر والجاذب الأقوى للاستثمار الاجنبي. الايرادات المتزايدة المستمدة من قناة السويس الموسعة والمعمقة – قناة قادرة على استيعاب الناقلات العملاقة – قد تحقق مئات الملايين سنوياً. كذلك، سيحسّن السلام ثقة المستثمرين الأجانب في قطاعات أخرى، وسيضمن استمرارية الازدهار السياحي الذي يسجل حالياً مستويات قياسية في مصر. بخلاف دول المواجهة الأخرى، ستضطر مصر إلى إيجاد مشاريع تتطلب عمالة كثيفة كالطرقات أو عمال التصدير، لاستيعاب اليد العاملة التي جرى تسريحها من الجيش.
10. الاردن وسوريا، على الرغم من أنهما يتطوران بسرعة، يستفيدان من زمن السلم ويبتعدان عن القطاع العسكري. يستفيد الاردن، الذي يعاني حالياً سوق عمل ضيقة، على نحو خاص من تراجع عديد جيشه النظامي. وتشهد هاتان الدولتان ازدياداً سريعاً في السياحة وفي الاستثمار الأجنبي الجديد.
11. ستحتاج الدولة الفلسطينية الجديدة إلى الولوج إلى سوق العمل الاسرائيلية والضفة الشرقية. مع المساعدة الأجنبية الملائمة، تُستهَل مشاريع البنية التحتية الضخمة بمحطات توليد الطاقة، الطرقات المحسّنة، إلخ. تتواصل المشاريع الصغيرة الحجم برعاية اسرائيلية، مثال المستشفيات والمدارس ومشاريع الري وما شابه، وتزداد التجارة مع اسرائيل. تستورد الضفة الغربية وغزة اليوم 450 مليون دولار على شكل سلع وخدمات اسرائيلية وتصدّر 350 مليون دولار تقريباً.




سيناريو التسوية

في اطار السيناريو الأفضل، ستترتب عن تسوية سلام شاملة ومضمونة دولياً النتائج الاقتصادية التالية، التي من شأنها أن:
- تفرض على الأطراف أن تخفض بشدة حجم القوات والانفاق على الدفاع، مما يسمح بتحوّل الموارد إلى القطاع المدني؛
- تزيل الحواجز التجارية المصطنعة؛
- تحد من القيود المفروضة على حركة اليد العاملة والرساميل؛
- تلغي المقاطعة العربية؛
- تزيل القيود على السفر؛
- تنشئ مؤسسات إقليمية لتطوير المياه والمعادن والنقل وغيرها.