اسطنبول | لم تصل طموحات رجب طيب اردوغان إلى نهاياتها المرجوة. لم تسعد تركيا كثيراً في استثمار ما قدمته في كل من مصر وسوريا وتونس. الضربات التي تعرض لها حلفاؤها في دول «الربيع العربي» في أقل من 3 أشهر بدءاً بسقوط الرئيس «الإخواني» محمد مرسي في مصر والأزمات التي تتعرض لها «الترويكا» الحاكمة في تونس بالإضافة إلى الاتفاق الروسي - الأميركي حول ضرورة التسوية السياسية في سوريا عبر دعم مؤتمر «جنيف 2» والتي دعمتها تركيا، كلها عوامل دفعت حكومة رجب طيب أردوغان إلى اعادة صياغة سياساتها الخارجية بما يضمن لها الخروج بأقل الخسائر الممكنة. الأولوية للحكومة حالياً اعادة العلاقات مع الجوار إلى ما كانت عليه قبل «الأزمة السورية» التي وضعت انقرة في مواجهة مع بغداد وطهران. سريعاً بادرت الحكومة إلى القيام بخطوات في هذا الاتجاه. زيارات متبادلة ودعوات إلى مسؤولي العراق لزيارة أنقرة والبدء بتطبيع العلاقات كما تشتهي تركيا. الأهم حالياً للحكومة التركية النجاح في عودة العلاقات مع الشريك الاهم اقتصادياً، العراق الذي كان أول من وقعت معه حكومة أردوغان 53 اتفاقية للتعاون الاستراتيجي عام 2009، كما كانت تركيا الدولة الأكثر استفادة اقتصادياً (30-40 مليار دولار) من علاقاتها مع العراق بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
ضمن هذا الاطار، جاءت زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو إلى بغداد خاصة بعد أن رفض نوري المالكي دعوة نظيره التركي إلى زيارة تركيا الشهر الماضي، رابطاً الموافقة بضرورة الاعتذار المسبق عن مجمل سياسات أنقرة ضده وضد العراق. كما اشترطت بغداد على انقرة أيضاً طرد نائب رئيس الجمهورية المحكوم بالاعدام طارق الهاشمي وعدم استضافته بعد الآن على الأراضي التركية. الاعتذار الذي يبدو أن داود أوغلو قد ذهب من أجله إلى بغداد ستضاف إليه رسائل يتوقع أن يكون أردوغان اراد ايصالها إلى سوريا عبر المالكي، منها اغلاق الحدود نهائياً مع سوريا ومنع دخول الارهابيين الاجانب وبالتالي منع تسللهم إلى العراق.
الانطباع بأن المالكي لن يكتفي بهذا القدر من الشروط؛ فالتكتيك التركي لاقناعه بزيارة أنقرة والتي يسعى من خلالها أردوغان للعودة إلى المنطقة بعد كل ما قام به في سوريا، لن يخدع المالكي ومن معه في دمشق وطهران وبيروت بل وحتى موسكو، خاصة في هذا الظرف الذي أصبح فيه الرئيس السوري بشار الاسد أكثر قوة داخلياً واقليمياً ودولياً، وايران التي في طريقها وعلى الرغم من عراقيل السعودية وقطر واسرائيل إلى ابرام تفاهمات استراتيجية جديدة مع واشنطن ومن معها في الغرب.
باتت الأمور أمام العواصم الغربية أكثر وضوحا بالنسبة لما عاشته وتعيشه سوريا على الرغم من مساعي ومحاولات السعودية وتركيا وقطر أخفاء حقائقها عنها. فقد بات «القاعدة» والنصرة وأمثالهما من الجماعات الأرهابية تشكل خطرا على مجمل الحسابات الأقليمية الغربية حتى لو كان هدفها أعادة رسم خارطة سايكس بيكو. وبات واضحا أن أحفادهما لن يتحملا أي دولة أسلامية متطرفة على حدود العراق وسوريا وتركيا بالقرب من الدولة الكردية التي فشلت حسابات أنقرة حولها أيضا. وهو الفشل الآخر الذي دفع أردوغان لمناورة عاجلة مع بغداد. ويعتقد أن زيارة المالكي إلى تركيا إن نجحت، فستتحول ألى موقف واضح بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا. ويبقى على أنقرة أن تثبت أولا للمالكي أنها ليست ضد الأمن الوطني والاستراتيجي للعراق ومن خلال التحالفات السرية والعلنية مع مسعود البرزاني الذي لم يتردد في محاصرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بناءا على طلب أردوغان الذي فشل في إقناع قيادات هذا الحزب بالتمرد ضد الأسد الذي يستعد للاعلان عن نتصاره الأهم عندما سيجد على أبواب قصره في قاسيون أحمد داود أوغلو الذي سيقول له ما يريد أن يسمعه منه ومن أردوغان وربما عبد الله غول الذي سيعود رئيسا للوزراء بعد انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية صيف العام المقبل.