وسط مناخات سيطر عليها التفاؤل بحل قريب للأزمة النووية بين إيران والغرب، عُقِد لقاء ثنائي هو الثاني من نوعه بعد لقاء وزيري خارجية البلدين في نيويورك الشهر الماضي، وجمع بين نائب وزير خارجية ايران عباس عراقجي ورئيسة الوفد الأميركي ويندي شيرمان، وذلك على هامش اجتماعات جنيف التي عُقدت الثلاثاء والأربعاء بين مفاوضي الجمهورية الاسلامية ونظرائهم في مجموعة «5+1». وفيما تم التوافق على عقد جولة جديدة من المحادثات في جنيف أيضاً في السابع والثامن من تشرين الثاني المقبل، تحدث مفاوضو الجانبين عن الاقتراح الإيراني الجديد بشأن برنامج طهران النووي، واصفين إياه بأنه «إسهام مهم» يجري بحثه بعناية الآن.
وأفاد دبلوماسيون بأن المفاوضين الإيرانيين قدّموا مقترحات «لبناء الثقة» تتضمن وقف تخصيب اليورانيوم الى درجة نقاء 20 في المئة وإمكانية تحويل جزء على الأقل من المخزون الموجود بهذه الدرجة إلى أكسيد اليورانيوم الذي يمكن معالجته ليصلح وقوداً. وأعلنت طهران خلال المحادثات موافقتها مبدئياً على مطلب أميركي بعمليات التفتيش المباغتة لمواقعها النووية.
وجاء في البيان المشترك الذي قرأته مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف «قدّم اطاراً لخطة كأساس مقترح للتفاوض»، وان المحادثات كانت «موضوعية وذات نظرة مستقبلية».
وقالت اشتون، التي تقود المحادثات نيابة عن الدول الست (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وأميركا والمانيا)، إن المفاوضات كانت «الأكثر تفصيلاً التي أجريناها.. ويمكنني القول.. بفارق كبير. مواقفنا حددت بشأن عدد من القضايا بالفعل». واتفق الجانبان على اجتماع الخبراء النوويين وخبراء العقوبات قبل الاجتماع الرفيع المستوى في السابع والثامن من تشرين الثاني المقبل في جنيف.
أما ظريف، الذي يرأس الوفد الإيراني الى المفاوضات، فقال إن بلاده تتطلع الى حقبة جديدة في علاقاتها الدبلوماسية بعد عقد من التوتر، معتبراً ان مجموعة دول «5+1»، أظهرت «الرغبة السياسية اللازمة للتقدم الى الأمام».
وأكد الوزير الايراني أن «هذه المحادثات كانت مفيدة جداً، لقد حصلت مفاوضات جدية»، مضيفاً «جرت محادثات متكاملة بشأن خارطة الطريق».
وتابع ظريف، بعد نقله إلى قاعة الاجتماعات على كرسي متحرك لإصابته بألم شديد في الظهر، «في الوقت عينه، نعتبر انه لا داعي للقلق بسبب برنامجنا النووي، لكنه من المنطقي تبديد اي مكمن للقلق»، مضيفاً «لدي أمل في قدرتنا على بلوغ أهداف مشتركة. التفاصيل هي الجزء الأصعب».
وبعد الجولة المبدئية يوم الثلاثاء الماضي بين طهران ومجموعة الدول الست «5+1»، أشار نائب وزير الخارجية الإيراني، الى ان طهران مستعدة للاستجابة للمطالب بمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلطات تفتيش أوسع.
واجتمع عراقجي الثلاثاء مع شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية، في ثالث اتصال ثنائي بين البلدين منذ انتخاب روحاني في حزيران؛ بعد مكالمة هاتفية بين روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما، ولقاء بين ظريف ونظيره الأميركي جون كيري على هامش محادثات نيويورك الشهر الماضي.
في هذا الوقت، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن مصدر في وفد التفاوض الإيراني لم تذكر اسمه، قوله إن إيران لا تعتزم التخلي عن جميع عمليات التخصيب ذاتها «تحت أي ظرف».
وأضاف المصدر «فضلاً عن تجميد التخصيب بنسبة 20 في المئة من الممكن بحث سيناريو يتضمن خفض عدد أجهزة الطرد المركزي (لتخصيب اليورانيوم)... لكن من أجل ذلك يتعين اتخاذ خطوات ملموسة من جانب خصومنا وهو ما لم نره حتى الآن».
وبينما عبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشفيتش، أمس عن تفاؤل بقوله إن المحادثات النووية هذا الأسبوع كانت «شاقة جداً لكنها مبشرة للغاية»، قال نائب وزير الخارجية المفاوض الروسي في المحادثات، سيرغي ريابكوف، إن مواقف الجانبين متباعدة للغاية ولا توجد ضمانة لتحقيق المزيد من التقدم نحو إنهاء الخلاف النووي.
ورأى أن الصعوبة الرئيسية المتبقية تتعلق بـ«عدم وجود تفاهم عام حول التسلسل» في اشارة الى اصرار ايران على ان تلغي الدول الغربية العقوبات الآحادية المفروضة عليها قبل ان تخفض جهودها لتخصيب اليورانيوم.
وأشار ريابكوف الى أن «المحادثات صعبة، وفي بعض الاحيان متوترة، وفي احيان اخرى لا يمكن التكهن بها. وأحد الاسباب هو المستوى المنخفض جدا من الثقة المتبادلة، وبشكل فعلي غياب المستوى المطلوب من الثقة».
أما الولايات المتحدة، فقد وصفت المفاوضات بأنها أكثر المحادثات جدية وصراحة على الإطلاق، غير أن المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، رفض بعد اختتام المفاوضات، التحدث عن انفراجة سريعة، قائلاً إن كثيراً من نقاط الخلاف لا تزال قائمة. لكنه رأى أن الاقتراح الإيراني أظهر «مستوى من الجدية والمضمون لم نشهده من قبل»، مضيفاً أنه «يجب الا يتوقع أحد انفراجة بين عشية وضحاها».
بدورها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين ساكي، إن حكومة الرئيس باراك أوباما، لم تقرر بعد ان كانت ستحث الكونغرس الأميركي على الإحجام عن فرض عقوبات اضافية على ايران وهو طلب قدمته قبل المحادثات النووية هذا الاسبوع.
وقالت ساكي في إفادتها اليومية في واشنطن «لا تزال توجد اختلافات بشأن ماهية التخفيف المناسب للعقوبات. وأي شيء سنفعله سيكون متناسباً» مع خطوات إيران لتقليص برنامجها النووي.
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، في بيان «ستحتاج ايران الى اتخاذ الخطوات الأولى اللازمة بشأن برنامجها ونحن مستعدون لاتخاذ خطوات متناسبة رداً على ذلك».
بدوره، أوضح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أن «بلاده تتعامل «بحذر» مع المقترحات التي قدمتها إيران للمجتمع الدولي، بشأن برنامجها النووي، وإنها تنتظر مقترحات ملموسة إزاء أنشطتها الحساسة».
(أ ف ب، رويترز)