الخطوة الأولى أُنجزت. اتصال تاريخي خرج حاجز العداء بين إيران وأميركا اللتين باشرتا عملية تجميع الأوراق استعداداً لمسار تفاوضي لا شك في أنه سيكون طويلاً، ويطاول عدداً كبيراً من الملفات تبدأ في أفغانستان ولا تنتهي بالجزيرة العربية، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وذلك في ظل حراك داخلي إيراني عبّر عنه «الحرس الثوري» بانتقاد علني للرئيس حسن روحاني، في محاولة واضحة لكبح جماح السلطة السياسية وتعزيز موقعها على طاولة المحادثات، وفي مقابل جهد أميركي لطمأنة إسرائيل عبر التأكيد أن جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة. وفي ما يؤكد حجم القلق الذي تعيشه الدولة العبرية من أي تقارب إيراني أميركي مُحتمل، حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس «مخاوفه» ودخل إلى الاجتماع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض في واشنطن، ليحثّه على إبقاء العقوبات المفروضة على ايران، بل وتشديدها اذا واصلت طهران جهودها النووية. أوباما أكد أنه سيكون «يقظاً» في المباحثات المقبلة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وسعى الى تخفيف بواعث القلق الاسرائيلية، متعهداً بإبقاء كل الخيارات مطروحة، ومنها احتمال اتخاذ اجراء عسكري.
وقال أوباما إنه «بفضل العقوبات غير المسبوقة التي نجحنا في فرضها في السنوات الاخيرة، يبدو الايرانيون الآن مستعدين للتفاوض». واضاف: «يجب ان نعطي فرصة للديبلوماسية وان نرى ما اذا كانوا جادين حقاً عندما وعدوا باحترام القواعد الدولية». لكنه اكد «أننا نخوض هذه المفاوضات بعيون مفتوحة. وهي لن تكون سهلة». وشدد على أنه «لن نترك اي خيار، ومن بينه الخيار العسكري». في المقابل، طالب نتنياهو إيران بتفكيك «برنامجها النووي العسكري بالكامل» لأنها «ملتزمة تدمير اسرائيل». واضاف: «يجب إبقاء هذا الضغط» على إيران، «اذا استمرت ايران في المضي قدماً في برنامجها النووي خلال المفاوضات، سيكون من الضروري تشديد العقوبات».
وكانت صحيفة «معاريف» قد ذكرت أن نتنياهو سيقدم أمام الرئيس الاميركي، ملفاً استخبارياً محدّثاً عن البرنامج النووي الايراني وعن تورط طهران في الأعمال الارهابية في الشرق الاوسط والعالم ضد أهداف يهودية واسرائيلية.
مع ذلك، لفتت الصحيفة الى الصعوبة التي يواجهها نتنياهو في شرح الموقف الاسرائيلي في مقابل «الابتسامات» التي ينشرها روحاني، و«التي تخفي وراءها سعياً الى القنبلة النووية مع قدرات تكنولوجية تتطور بوتيرة متسارعة».
وفي أجواء الخشية التي تسيطر على تل أبيب ودول الخليج، وتحديداً السعودية، من مسار تفاوضي يسمح للإيرانيين بالتقدم نحو حافة القنبلة، مقروناً بتخفيف جوهري للعقوبات، شددت «معاريف» على أن نتنياهو سيطالب أوباما بضرورة تجميد الايرانيين كل نشاطات التخصيب خلال فترة المحادثات، واخراج كل المواد المخصبة على الأقل تلك التي بلغت درجة 20 في المئة الى خارج الاراضي الايرانية، وايقاف بناء مفاعل المياه الثقيلة في آراك لانتاج البلوتونيوم واغلاق مفاعل فوردو.
ورأت «معاريف» ان مبرر نتنياهو هو أنّ من غير الممكن التحدث عن السلام والدبلوماسية والبدء بالمفاوضات، وبالموازاة تتواصل نشاطات عمليات تخصيب اليورانيوم والبرنامج النووي.
وقرر نتنياهو تمديد فترة مكوثه في الولايات المتحدة، على ان يجري يومي غد وبعد غد (الاربعاء والخميس) أكثر من عشر مقابلات مع وسائل الإعلام الأميركي لنقل الرسائل التي يريد إيصالها الى حول المفاوضات مع ايران. كذلك سيستغل نتنياهو مراسم الوداع للسفير الاسرائيلي في واشنطن، مايكل اورن، لمصلحة حملته الدعائية، عبر تجنيد اعضاء الكونغرس الذين سيشاركون في المراسم وتحذيرهم من المفاوضات مع طهران.
وفي السياق، حذر الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، من الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى التي رأى أنها تهدف الى حمل رؤوس نووية، مشيراً إلى أن «ما رأيناه وسمعناه يثير الدهشة ومشكلة».
ورأى أيضاً ان استمرار العقوبات يمكن أن يخدم هدفاً ما، واصفاً خطاب الرئيس الايراني بأنه «مثير للانطباع»، لكن المشكلة ان هذا الخطاب ومضمونه يتناقض مع الواقع الايراني. ولفت بيريز الى ان «هذه الخطابات ما كنا سنسمعها لولا العقوبات الاقتصادية، لكن لا ادري ان كانت قادرة على تغيير الوقائع».
الى ذلك، حذّرت زعيمة المعارضة الاسرائيلية شيلي يحيموفيتش، من المقاربة «التي يطغى عليها الشعور بالخوف» من الملف الايراني، مؤكدة انه يجب على الحكومة القيام بكل شيء لتجنب اظهار مصالح اسرائيل والولايات المتحدة «بشكل متناقض».
اما رئيسة حزب ميرتس اليساري زهافا غلاؤون، فدعت نتنياهو الى الكف عن توجيه الوعظ إلى المجتمع الدولي والبدء في التعامل مع المشاكل الداخلية لإسرائيل، الذي يعد مسؤولاً عنها، مضيفة: «إن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران هي خطوة هامة وضرورية نحو جعل إيران دولة خالية من الأسلحة النووية».
اما لجهة الخط الأحمر، الذي حدده نتنياهو في أيلول الماضي من على منبر الامم المتحدة، فأوضحت «معاريف» انه تم سحقه، لكن ليس عبر تجاوزه من قبل الإيرانيين، بل من خلال نجاحهم بتطوير أجهزة طرد مركزي، بمستوى تسمح لها بالتخطي المباشر الى درجة تخصيب عسكري. ونتيجة ذلك بات بإمكانهم القفز الى القنبلة بسرعة إن كانوا يرغبون بذلك.
الى ذلك، أكد السفير الاميركي لدى تل ابيب، دان شابيرو، في مقابلة مع الاذاعة الاسرائيلية، ان هناك تطابقاً بين المصالح الاسرائيلية والاميركية في ما يخص الملف الايراني؛ لكون الجانبين يريدان منع ايران من الحصول على اسلحة نووية بالوسائل الدبلوماسية. وأكد أن اسرائيل والولايات المتحدة تتبادلان المعلومات حول المشروع النووي الايراني.
الى ذلك، أعلن وزير الخارجية الكندي جون بيرد من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة ان «كلمات ودودة وابتسامة وتصرفاً لبقاً لا يمكن ان تحل محل اجراءات ملموسة»، في اشارة الى اللهجة التوافقية التي تبناها الرئيس الايراني.
وخلص الى القول انه في الوقت الراهن «ينبغي ان يبقي المجتمع الدولي عقوبات قاسية حيال ايران لكي تغير الاتجاه في البرنامج النووي».
(الأخبار)