لو أراد المرء أن يختصر أجواء الصحافة الإسرائيلية أمس بكلمة واحدة، لما وجد كلمةً أكثر تعبيراً من «الإحباط». الإحباط من العجز الذي يبديه العالم الغربي حيال الإيرانيين «الشعب الذي أتقن التفاوض قبل أن يكتشف كولومبوس أميركا بمئات السنين»، والإحباط من إقبال هذا العالم على الشيخ حسن روحاني، «الرئيس الوحيد في العالم الذي يمكن أن يسمح لنفسه بأن يكون الشخص الذي يتمنع عن حضور ضيافة الرئيس الأميركي»، والإحباط من الفشل المؤكد الذي ينتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في زيارته المرتقبة للولايات المتحدة، ساعياً إلى تنفيذ مهمة واحدة، هي «لجم الانزلاق الغربي في المنحدر الإيراني».
وفي هذه الأجواء، كتب عاموس هارئيل في «هآرتس» أن «وصول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة وخطابه المخطط له في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لن يوقفا ـ على ما يبدو ـ الانجراف في الأسرة الدولية نحو إيران؛ فخطاب الرئيس الإيراني الجديد في الجمعية العمومية حقق هدفه، تسويق صورة أكثر اعتدالاً لطهران، واستئناف المفاوضات على لجم البرنامج النووي في أجواء أفضل مما كان سائداً في عهد سلفه، محمود أحمدي نجاد. وحتى لو كان قد أعدّ هذه المرة خطاباً لامعاً، يعرف نتنياهو أنه يمكنه في أقصى الأحوال أن يكشف عن شقوق في الصورة الجديدة التي تعرضها إيران على العالم، وليس تغيير الميل رأساً على عقب.
ورأى هارئيل أنّ ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه الآن هو هدف آخر يتمثل في «منع انزلاق أميركي سريع في المنحدر الزلق. رئيس الوزراء يسعى إلى صد تآكل في المطالب التي طرحتها القوى العظمى على إيران – التي كانت إسرائيل تفضل منذ البداية أن تكون أكثر تشدداً – وليس أقل من ذلك لإحباط التسهيل من عبء العقوبات على طهران قبل أن تتبلور صفقة نهائية». وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل، وإن كان لديها انتقاد شديد للتذبذب الأميركي في سوريا وخوف شديد من سياسة أوباما حيال إيران، «فإنها ستكون مطالبة بأن تنتظر النتائج بصبر، وهذه ستحسم أساساً في واشنطن وفي موسكو، وبقدر أقل في القدس».
وتحت عنوان «محقة لكن معزولة»، شرح آري شابيط العجز الذي وصلت إليه إسرائيل في تأثيرها بالملف النووي الإيراني، رغم أنها كانت محقة في تقديراتها السابقة بشأنه. وكتب شابيط في «هآرتس» أنّ «إسرائيل محقة؛ لأن ديبلوماسية العقد الأخير فشلت، وعقوبات السنوات الأخيرة فشلت، وإيران قريبة جداً من الهدف. وإسرائيل محقة؛ لأن الوعود الاحتفالية التي تلقتها من الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية تكشفت كوعود عابثة. وإسرائيل محقة؛ لأنه واضح اليوم أنّ التصميم الذي أبداه الغرب منذ 2010 في مواجهة إيران كان وهمياً. إسرائيل محقة؛ لأن إيران تتجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعها العالم أمامها، والعالم مشلول. فالشيطان النووي الإيراني هو شيطان حقيقي، من شأنه أن يخرج في أي وقت ممكن من القمقم ويغير الواقع من الأساس». يضيف الكاتب: «لكن لأن إسرائيل محقة فإنها معزولة. فالأسرة الدولية في عام 2013 هي أسرة ما بعد الصدمة: نتيجة الأزمة الاقتصادية، أزمة العراق وأفغانستان والتحرير وسوريا. فالساسة الذين يجتمعون هذا الأسبوع في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك يمثلون سياسة ضعف تتمثل في هيا نطمس وتعالوا نخدع أنفسنا. العالم هو عالم عديم الإدارة وعديم العمود الفقري، ليس له الحافز كي يقف في وجه النووي الإيراني. ولهذا فإنه يتجاهل الحق الإسرائيلي. ولهذا فإنه يدحر إسرائيل إلى الزاوية».
وعلى منوال معضلة نتنياهو في مواجهة الهجوم الدبلوماسي الإيراني، عزف ناحوم برنياع أيضاً في «يديعوت أحرونوت». لكن الكاتب رأى أنه «ما من سبب يدعو إلى الشماتة برئيس الوزراء؛ لأن أزمته هي أزمتنا». وإذا كان نتنياهو «سيحضر إلى أميركا مخرباً لحفلة (التقارب الغربي الإيراني)، فإنه لن يتمكن من تحقيق هدفه؛ لأن جهات كثيرة تحتاج إلى هذه الحفلة، ولن يجهدوا أنفسهم بدعوتنا إليها». وحذر برنياع من نيات الإيرانيين؛ «فهجوم السلام الذي يشنونه يخدم مصلحتهم إذا كانوا ينوون التوصل إلى اتفاق، كما يخدمها إذا كانون يخدعون»، وهم في كل الأحوال يعرفون كيف يفاوضون؛ «فقد كانوا يساومون قبل أن يكتشف كولومبوس أميركا بمئات السنين».
وفي الصحيفة نفسها كتبت سيما كدمون أنّ «النغمة المضادة (لنغمة روحاني) التي يقدمها نتنياهو هي نغمة من خاب أمله؛ لأنه قد يمكن التوصل إلى حل المشلكة النووية الإيرانية بطرق دبلوماسية»؛ فنتنياهو يبدو «خائباً مثل ولد أخذوا لعبته منه، وكمن أفسدوا عليه أجندته. وردوده تعقيباً على خطبة روحاني كانت بائسة مثل ردوده حينما استقر رأي الولايات المتحدة وروسيا على محاولة نزع السلاح الكيميائي من سوريا دون استعمال الخيار العسكري». ودعت الكاتبة نتنياهو إلى أن يكون أكثر حذراً في الظهور «كمن يسارع إلى الحرب» وإلى التحرر من عارض «أنا أول من لاحظ: فهو أول من لاحظ أن روحاني مخادع وأنه لا يعني ما يقول وأنه منافق وأنه يجب فحص أعماله لا أقواله. وكأن رؤساء الدول الأخرى لا يرون ما يراه نتنياهو. وكأن رئيس الولايات المتحدة ورئيس فرنسا وقادة العالم الآخرين مجموعة من الحمقى لا يفهمون أي شيء».
وفي «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو، طغت النبرة الناقدة لدول العالم التي «تريد أن تستمع إلى الموسيقى التي يعزفها روحاني». واستغرب بوعز بوسموت قائلاً: «تحديداً إيران، الدولة التي تعاني من العقوبات، والدولة التي تريد الاستمرار في مشروعها النووي، والدولة التي تعاني من العزلة الدولية، هذه الدولة لا تستجيب للمصافحة الرئاسية مع أوباما». ورأى بوسموت أن الإيرانيين «قرروا أن الظروف اليوم تجعلهم قادرين على بيع أية بادرة بثمن باهظ. ولذلك فإن روحاني هو الرئيس الوحيد في العالم الذي يمكن أن يسمح لنفسه بأن يكون الشخص الذي لا يحضر إلى ضيافة الرئيس الأميركي».