يريد الأميركيون، من غير المتطرفين، أن يستبشروا خيراً من زيارة الرئيس حسن روحاني لنيويورك. يريدون أن يصدّقوا أن الرئيس الحالي لا يشبه سلفه بشيء ... «بدءاً بابتسامته». السياسيون والصحافيون ورجال الأعمال حاولوا ما بوسعهم طوال الأسابيع الماضية حجز مقعد على موائد روحاني وفي لقاءاته الخاصة خلال فترة مكوثه في نيويورك التي وصلها أمس لحضور الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث سيلقي كلمة مرتقبة اليوم.
يريد الأميركيون، من غير المتطرفين، أن يثقوا بانفتاح الرئيس «المنتخب من غالبية الشعب الإيراني» وباعتداله. تريد الصحف والمجلات الأميركية، غير الناطقة باسم المتطرفين، أن تنشر صوراً للرئيس الإيراني من دون خلفية حمراء تتوسطها إشارة السلاح النووي، كما كانت معظم صور الرئيس محمود أحمدي نجاد. يريد الصحافيون أن يركّزوا على الإفراج عن الناشطين في إيران وعلى معايدة الرئيس الإيراني لليهود في عيدهم وعلى السماح لمسؤولين إيرانيين بارزين بانتقاد النظام السوري علناً. يريد السياسيون، من غير المتطرفين، أن يتحاوروا مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي عاش في الولايات المتحدة لسنوات ودرس في جامعاتها، والذي سيبقى أسبوعاً إضافياً في نيويورك بعد مغادرة الرئيس. يريدون أن يؤمنوا بأن روحاني طلب من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية أن لا يحشر الحرس الثوري أنفه بسياسة البلد وأن علي خامنئي وافقه على ذلك. روحاني حاصل على بركة خامنئي ... لكنه ليس نجاد، هذا ما يريد أن يقتنع به المحللون الأميركيون، من غير المتطرفين.
لكن، الخوف لا يزال هنا وقلّة الثقة تحوم فوق كلّ الآمال الأميركية المعقودة على حلّ دبلوماسي لبرنامج إيران النووي وللأزمة السورية. هل الإيرانيون جادّون في رغبتهم بالتوصل الى اتفاق شامل؟ السؤال نفسه تكرر على لسان المعتدلين والمتطرفين في واشنطن ولا أحد يملك جواباً، لتبقى الآمال معقودة على بعض «الدلائل» تسجّل من الجانب الإيراني وعلى تطورات الأسابيع المقبلة.
حول تلك «الدلائل»، تحدّث ستيفن والت في مجلة «ذي فورين بوليسي» الأميركية ورأى أنه، وفقاً لعدد من «الدلائل الجدّية وليس الإشارات المشكوك بصدقيّتها»، من معايدة روحاني لليهود والإفراج عن الناشطة الحقوقية نسرين سوتوديه والتلميح بمحاسبة الرئيس السابق حول إنكاره المحرقة والتنديد باستخدام السلاح الكيميائي في سوريا وغيرها، «يجب أن نصدّق أن الإيرانيين جادّون في التوصل الى اتفاق». لماذا؟ الأمر لا يتعلّق بمزاج الإيرانيين، بل لأنهم ضاقوا ذرعاً بالعقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة من واشنطن، إضافة الى نيّة المرشد الأعلى المعلنة بأن تُظهر إيران «مرونة بطولية»، كما يذكّر والت. لكن على الرغم من ذلك، يلفت الكاتب الى أن الإيرانيين لن يسهّلوا المفاوضات وسيبقون الرهانات مفتوحة وصعبة حتى النهاية، حتى لو كانت لديهم رغبة في التوصل الى اتفاق.
فـ«الانفتاح» الإيراني الذي يحمله محمد جواد ظريف إلى العالم الخارجي يقابله علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، أحد مؤسسي «الحرس الثوري»، الذي يرى أنه «ليس هناك من بديل سوى امتلاك السلاح النووي للدفاع عن أنفسنا بعدما بات النووي في متناول بلدان مجاورة». وما تعيين شمخاني في موقعه الحساس سوى «رسالة من روحاني بأنه هو أيضاً يرى في النووي الإيراني حقّاً»، كما يشير الكاتب راي تاكيه في صحيفة «ذي لوس أنجلس تايمز». وهذا دليل آخر على أن المفاوضات الإيرانية ـــ الأميركية لن تكون سلسة بقدر ما يشاء الأميركيون، يضيف الكاتب.
فما الذي ينتظره الأميركيون من الإيرانيين هذه المرة؟
لن يكتفي مسؤولو واشنطن باستنكار روحاني استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، بل يريدون أن يروا انسحاب قوات الحرس الثوري من أراضي المعارك السورية، يشرح مقال «ذي لوس أنجلس تايمز». ويضيف، لن يسلّم الأميركيون بكلام الرئيس الإيراني حول الشفافية في البرنامج النووي، بل سيطالبونه «بإيقاف النشاطات النووية التي تزعجهم في البرنامج الإيراني وباحترام مواثيق الأمم المتحدة». لن تكفي وعود الرئيس بمزيد من الحرية، بل ينتظرون أن يفرج عن السجناء السياسيين في إيران، يعدد مقال الـ«تايمز».
المسؤولون الأميركيون «سيراقبون الى أين سيذهب روحاني بمرونته»، يشير الصحافي دايفد إغناتيوس في «ذي واشنطن بوست» ويردف، هم يريدون تعهدات جدية بحماية المراقبين مثلاً وبحدّ مخزون إيران من النووي المخصّب بنسبة 20% والاكتفاء بـ 5% من إنتاجهم الجديد. إغناتيوس يضيف إن الأميركيين يرون إشارات تدلّ على «مرونة إيران في موضوع إقفال مفاعل فوردو النووي». وفي الملف السوري، يقول الصحافي، «ينتظر الأميركيون دلائل حول التزام إيراني جدّي بضمان مرحلة انتقالية بعيداً عن الأسد وبتحجيم دور حزب الله في سوريا وفي لبنان».
المشككون
لكن، ماذا عن الأميركيين المتطرفين؟ هؤلاء سيشككون وسيعارضون وسيعرقلون إذا استطاعوا. «أولئك هم الذين وصفوا الرئيس روحاني، بعد عشر دقائق على انتخابه، بالذئب المتخفي بثياب نعجة»، يذكّر ستيفن والت في «فورين بوليسي» ويؤكد أن هؤلاء سيشككون بأي نوايا حسنة سيحملها الرئيس الإيراني. «سيفرضون شروطاً تعجيزية» وسيقولون إن «الأوان قد فات من أجل تحقيق أي تقدم في المحادثات حول النووي الإيراني» وإن «أي مساع دبلوماسية تبذل الآن هي مجرد مضيعة للوقت»، شرح بعض المحللين. «لا عجب في أن المتطرفين سيحدثون ضجّة حول المساعي الدبلوماسية حول النووي الإيراني لأن هؤلاء هم من دفعوا دائماً باتجاه شنّ حرب على إيران»، يشرح والت. حتى إن البعض بدأوا يحذّرون من أن «إيران ستحصل على ما تريد وستخرج واشنطن بأسوأ حلّة».
«جاء وقت الحقيقة. كل الأجواء الإيرانية تشير الى استعدادات من أجل اتفاق حول النووي. وإذا لم يتمّ التوصل الى اتفاق في غضون الأشهر القليلة المقبلة سيكون من الصعب إيجاد فرصة جيدة مماثلة»، خلص باتريك كلوسن، مدير الأبحاث في «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى». فهل ستفلح الدبلوماسية هذه المرة؟ وهل ستتوقف السعودية وباقي الدول الخليجية عن التهويل حول النووي الإيراني وتفسح المجال لولادة اتفاق يرضي الطرفين؟


يمكنكم متابعة صباح أيوب عبر تويتر | Sabahayoub@