في مواجهة التسونامي الدبلوماسي الإيراني، وارتفاع منسوب القلق الإسرائيلي من توالي المؤشرات على إمكانية نجاح طهران في إقناع واشنطن والعواصم الأوروبية، بسلمية برنامجها النووي، تشهد أروقة الأمم المتحدة هذا الأسبوع صراعاً بين مدرستين: تدعو المدرسة الأولى، بحسب تعبير الرئيس الإيراني حسن روحاني، الى إجراء «اتصالات مع الطرف الآخر على أساس المساواة والاحترام المتبادل»، فيما تهدف الأخرى، التي تمثلها إسرائيل، الى إجهاض أي محاولة اتفاق مع الجمهورية الإسلامية مبني على الإقرار بحقها في التخصيب على الأراضي الإيرانية. لكن المخاوف امتدت هذه المرة أيضاً الى القلق من نجاح طهران بنقل الكرة الى ملعبها عبر الحديث من على كل منصة، عن امتلاك إسرائيل مخزونات متنوعة من أسلحة الدمار الشامل: النووي والكيميائي والبيولوجي.
وما المواقف التي أطلقها روحاني، أول من أمس، عن أن إسرائيل تشكل خطراً حقيقياً على استقرار المنطقة، حين تخرق المواثيق الدولية وتراكم كميات هائلة من السلاح الكيميائي والنووي، إلا تعبير عن هذا النهج، حسبما نقلت «معاريف».
الحملة الدبلوماسية الإسرائيلية المضادة على إيران، والتي ستشكل كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع المقبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أهم ركن فيها، انتقلت الى مرحلة التحذير من أن التوصل الى «اتفاق سيئ (مع إيران) هو أكثر سوءاً من عدم الاتفاق» معها. وبهدف استباق كلمة الرئيس الإيراني التي سيلقيها اليوم بعد ساعات من كلمة نظيره الأميركي باراك أوباما، سرّب مسؤول إسرائيلي مقرب من نتنياهو لصحيفة «نيويورك تايمز»، أن الأخير سيركّز في كلمته على التحذير من أن عقد صفقة نووية مع إيران يشكل فخاً مماثلاً لما حدث مع كوريا الشمالية.
كما سيذكّر بأن بيونغ يانغ كانت قد وافقت قبل 8 سنوات على وقف برنامجها النووي العسكري بموجب صفقة مع المجتمع الدولي، ثم أجرت في أعقابها أول تجربة نووية لها.
وسيطالب نتنياهو مجدداً بوقف تخصيب اليورانيوم وبإخراج المواد المخصبة من أراضيها، إضافة الى تفكيك المنشأة النووية في فوردو وأجهزة الطرد المركزي المتطورة في ناتنز، وكذلك وقف بناء المفاعل في آراك.
وبحسب المسؤول الإسرائيلي نفسه، من الممنوع تكرار خدعة كوريا الشمالية التي أدت الى تمكينها من إنتاج سلاح نووي. متهماً إيران بأنها تُظهر وجهاً سلمياً وتتحدث عن عدم نشر الأسلحة النووية، بهدف تخفيف العقوبات وكسب مزيد من الوقت لبرنامجها النووي. وذكّر المسؤول الإسرائيلي بالجهود الدبلوماسية في عام 2005، عندما وافقت كوريا الشمالية على «نقاط تحول» في التخلي عن خطتها لإنتاج أسلحة نووية في مقابل مساعدات اقتصادية.
ولكن الذي حصل بعد نحو سنة، أن كوريا الشمالية أجرت أول تجربة نووية، كما سيقول رئيس الوزراء الإسرائيلي.
مساحة المناورة الإسرائيلية تكمن في التركيز على إمكانية تكرار الأمر نفسه مع الولايات المتحدة إذا تسرعت في عقد اتفاق مع روحاني. لكن «نيويورك تايمز» أشارت الى فروقات بين الحالتين الإيرانية والكورية، انطلاقاً من وجود فاصل بين إيران واكتساب القدرات على إنتاج أسلحة نووية، يصل الى أشهر إن لم يكن سنوات. مع ذلك، نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الاتفاق الفاشل مع كوريا الشمالية يشكّل سابقة مقلقة، تُظهر كيف أن بإمكان دولة متمردة على القانون الدولي أن تبتز تنازلات من الولايات المتحدة ودول أخرى مرات عدة، وبعد ذلك تخرق كل التفاهمات التي تحققت معها.
في هذا السياق، ذكرت تقارير إسرائيلية أن مخاوف تل أبيب من الأداء الدبلوماسي الإيراني وإمكانية نجاحه في فتح نافذة فرصة سياسية لإيران، دفع صحيفة «نيويورك تايمز» الى متابعة الكلمة التي سيوجّهها نتنياهو ويُفصِّل فيها المعايير المقبولة من قبل إسرائيل على أي اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، وخصوصاً في ظل اهتمام الرئيس باراك أوباما بإمكانية حل المشكلة التي فرضت نفسها عليه من اليوم الأول في منصبه، وتقلق الإسرائيليين بشكل عميق.
الى ذلك، ذكرت صحيفة «معاريف» أن مسؤولي البيت الأبيض متحمسون لعقد لقاء بين وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، لأن اللقاء مع أوباما لا يزال، بالنسبة إلى الإيرانيين، مبكراً جداً، قبل أن تُستأنف المفاوضات مع الدول العظمى وعلى خلفية الانتقادات من داخل إيران.
لكن في تل أبيب، يراقبون جدول لقاءات ظريف في نيويورك ويقدّرون بأنه لن يكون بوسعهم إحباطها، وخاصة بعد المواقف التسووية من طهران.
وأضافت «معاريف»: «مع أن الساحة السياسية في إسرائيل غير راضية عن الحملة الإيرانية، الهادفة الى تجديد الثقة الدولية والشرعية للجمهورية الإسلامية، إلا أن إسرائيل تنازلت عملياً مسبقاً عن ذلك، ولن تخوض حملة مضادة لإفشال هذه اللقاءات، لكنهم سيواصلون تحذير نظرائهم في الغرب وليس أكثر من ذلك».
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية الى أنه على الرغم من نجاح إسرائيل في إحباط مبادرة عربية لإصدار قرار حول «قدرات إسرائيل النووية» ووضع منشآتها تحت رقابة الوكالة، إلا أنهم في تل أبيب، يشعرون بأن النقاش حول النووي الإسرائيلي، كفيل بأن يعود بقوة أكبر الى جدول الأعمال الدبلوماسي العالمي، وستكون إيران بالذات هي التي ستقود الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لتجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي.
يُشار الى أن المجموعة العربية طرحت على مدى السنوات الخمس الأخيرة مشروع قرار يتعلق بالقدرات النووية الإسرائيلية. في عام 2009 خسرت إسرائيل، وأُقرّ المشروع بالغالبية، وفي عام 2010 فازت إسرائيل وفي السنتين التاليتين، قرر العرب ألا يطرحوه على التصويت. وفي ما يتعلق بالقراءة الإسرائيلية لمعاني تأجيل هذا القرار المناهض لإسرائيل، هو أن العرب لن ينجحوا في الصدام مع إسرائيل في محفل دولي. كما أنهم يعتقدون بأن القرار يعبّر عن فهم أعمق من جانب الأسرة الدولية لمصالح إسرائيل الأمنية، على خلفية الهزة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يعرفون في تل أبيب جيداً أنه كلما سخنت الاتصالات بين إيران والولايات المتحدة، ستتوجه الأنظار أكثر فأكثر نحو إسرائيل لجهة قدراتها النووية.