35 سنة سجن هي العقوبة التي أنزلتها سلطات الولايات المتحدة الاميركية العليا بمَن «تمنّى أن يناقش أهل بلاده سياسة حكوماتهم الخارجية بهدف تصويبها»، فهو الذي تعلّم منذ صغره أن بلاده، كأكبر ديموقراطية في العالم، تتوسّل النقاش في كل شيء من أجل التغيير. 35 سنة سجن لجندي رفض أن «تتحوّل مهمة الجيش الاميركي الى ملاحقة أهداف بشرية مدنية وقتلها»، كما شاهد بأم عينيه في العراق. 35 سنة سجن لمَن انحاز الى الشعوب بعد أن اطّلع على برقيات تدوّن تفاصيل عمل واشنطن الدبلوماسي الوسخ في مختلف أنحاء العالم وكيفية تلاعبها بمصائر البشر وحيواتهم. 35 سنة سجن هو الحكم الذي صدر أمس بحق منفّذ أكبر تسريب وثائق سرية في تاريخ الولايات المتحدة، برادلي مانينغ (25 عاماً). ولأن الجندي تجرّأ على المسّ بخطّ أحمر يفضح ما حاولت واشنطن إخفاءه على مدى سنوات، فإن عقوبته جاءت بمستوى الفضيحة، لتكون الأقسى (من حيث عدد سنوات السجن) في تاريخ الأحكام على مسرّبين أميركيين. ولأنه ما من إنسان سَوي يتجرّأ على تحدّي السلطات الاميركية وفضحها، كما تريد أن ترسّخ واشنطن في الأذهان، فقد ركّزت جلسة المحاكمة أمس على «الاضطرابات النفسية» التي يعاني منها المتهم. «طفولة صعبة مع أبوين مدمنين على الكحول، مراهقة منطوية، وازدواجية
في الهوية الجنسية والميول، وكبت وصعوبات في الاندماج في صفوف الجيش، وسعي للشهرة وجذب الانتباه»... هكذا روت جلسة الحكم أمس في قاعدة فورت مايد. بعد 1294 يوماً من الاحتجاز منذ أيار عام 2010 ومشوار تعذيب نفسي (وجسدي؟) طويل وحبس انفرادي ومصير معلّق بين أقبية السجون الاميركية، حكمت محكمة عسكرية أمس على مانينغ بالسجن 35 عاماً. وقررت القاضية العسكرية دنيز ليند، بعد محاكمة استمرت أكثر من شهرين، تسريحه من الجيش أيضاً. ومن أبرز التهم التي حوكم مانينغ على أساسها، «التجسس» و«التزوير» و«سرقة حوالى 700 ألف وثيقة دبلوماسية وعسكرية سرية ونقلها الى موقع ويكيليكس». ولدى صدور الحكم الذي أعلنته القاضية باقتضاب، وقف الجندي الشاب الذي فقد الكثير من وزنه منذ احتجازه بين محامييه المدني والعسكري، وسط صيحات بعض المؤيدين الحاضرين اللذين هتفوا «سنكمل النضال من أجلك برادلي» و«أنت بطلنا». وبعيد صدور الحكم الذي وصفه كثيرون بـ«القاسي جداً» و«غير المسبوق في قضايا التسريبات»، ذكرت «شبكة دعم برادلي مانينغ» أن محاميه دايفيد كومبس ينوي رفع القضية الى الرئيس باراك أوباما طلباً للعفو عن موكّله. وسارع جوليان أسانج الى التعليق على الحكم فأكد أنه «نصر استراتيجي مهم»، وأنه بات يمكن توقّع الافراج عن مانينغ «في غضون أقلّ من 9 سنوات»، بالإشارة الى نظام مراجعة الاحكام بفضل حسن السلوك، بعد قضاء المحكوم ثلث مدة محكوميته.