بانتظار صدور نتائج الانتخابات الرئاسية، يحبس شعب زيمبابوي أنفاسه ليرى ما إذا كان هذا الاستحقاق سينهي «اتفاق التعايش» بين الرئيس روبرت موغابي، ورئيس الحكومة مورغان تسفانجيراي؛ إذ يحاول الأخير للمرة الثالثة إطاحة الرئيس الذي يحكم البلد، منذ استقلاله عن بريطانيا في 1980. وفي ظل غياب استطلاعات للرأي من الصعب التكهن بما إذا كان تسفانجيراي (61 عاماً) سينجح في محاولته الثالثة للفوز عل موغابي (89 عاماً). لكن موغابي عشية الانتخابات، أكد أنه سيقبل النتيجة إن انتهت بخسارة حزبه، قائلاً: «إذا دخلت عملية وشاركت في منافسة تكون نتيجتها شيئاً من اثنين: الفوز أو الخسارة ولا يمكنك أن تحصل على النتيجتين معاً. فإما أن تفوز وإما أن تخسر. وإذا خسرت يجب أن تستسلم».
إلاّ أن متحدثاً باسم حزب تسفانجيراي (الحركة من أجل الديموقراطية والتغيير) رأى أن الحزب لن يقبل نتائج الانتخابات إلا إذا كانت «حرة ونزيهة»، في ظل منع المراقبين الغربيين من متابعة الانتخابات، ما ألقى بمهمة الإشراف على عاتق 500 مراقب إقليمي و7000 مراقب محلي.
وزيمبابوي كانت تحمل اسم روديسيا قبل أن تصبح مستقلة قبل 18 نيسان 1980، وأصبحت اسمها زيمبابوي بعد تسعين سنة من الاستعمار البريطاني. ومنذ 1965 أعلنت أقلية البيض استقلالها عن بريطانيا التي لم تعترف بذلك، وأدت حرب التحرير (1972-1979) التي قادها القوميون السود ضد نظام البيض للرئيس يان سميث، إلى سقوط 27 ألف قتيل.
وأصبح رئيس الوزراء روبرت موغابي، رئيس الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي (زانو)، يمسك بزمام الحكم وزميله في النضال جوشوا نكومو، زعيم الاتحاد الشعبي الأفريقي لزيمبابوي (زابو) وزير الداخلية. لكن نكومو أقيل في 17 شباط بعدما اتهم بالتآمر وقمع تمرد مسلح في معقله في متابيلاند (غرب) بعنف، ما أدى إلى سقوط عشرين ألف قتيل على الأقل. ومنذ 30 كانون الأول 1987، أصبح موغابي رئيساً بعد تعديل دستوري يؤسس لنظام رئاسي.
وفي عام 1989، اندمج الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي والاتحاد الشعبي الأفريقي لزيمبابوي (زابو) في حزب واحد أُطلق عليه اسم زانو - الجبهة القومية، التي تحولت إلى حزب وحيد. وبعد عامين تخلى هذا الحزب عن الماركسية اللينينية واعتمد اقتصاد السوق. أما حركة التغيير الديموقراطي، فقد تأسست في عام 1999 بزعامة تسفانجيراي، وفازت بنصف مقاعد البرلمان في انتخابات حزيران من العام نفسه. مع ذلك موغابي أعيد انتخابه في آذار 2002، في اقتراع طعن المراقبون في شرعيته.
وبقي موغابي في الحكم رغم فوز حركة التغيير الديموقراطي بغالبية المقاعد في البرلمان في انتخابات عام 2008 العامة.
ورغم تقدّم تسفانجيراي على الرئيس في الجولة الأولى من الانتخابات، لكنه سحب ترشيحه إلى الجولة الثانية بسبب تضاعف أعمال العنف ضد أنصاره بين الجولتين، وانتخب موغابي الذي بقي مرشحاً وحيداً في حزيران عام 2008. إلا أنّ القلاقل التي عصفت بالبلاد دفعت الجانبين إلى توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين موغابي وتسفانجيراي في أيلول من العام نفسه، وسمي «اتفاق التعايش» تسلم بموجبه تسفانجيراي رئاسة الحكومة.
وفي 16 آذار الماضي وافق الناخبون في زيمبابوي بغالبية 94,5 في المئة على دستور جديد يفسح المجال أمام انتخابات مبكرة من شأنها أن تضع حداً للتعايش بين موغابي وتسفانجيراي.
ويتمتع تسفانجيراي، بسمعة ديموقراطي يلقى تعاطفاً في الخارج نتيجة نضاله الطويل والشجاع ضد الحكم سبب له جروحاً والاعتقال. دخل السياسة من باب العمل النقابي، لكنه لم يشارك في النضال من أجل الاستقلال خلال السبعينيات، ما جلب له احتقار جيل موغابي الذي يبني شرعيته على الكفاح المسلح ضد النظام السابق.
غير أنه نظم، بصفته زعيم أكبر نقابة في زيمبابوي، حركات إضراب كبيرة نهاية التسعينيات، ما أكسبه سمعة المناضل القريب من الشعب.
ويمثل موغابي، بالنسبة إلى مواطنيه كل تاريخ بلاده المعاصر، من حرب الاستقلال إلى الانهيار الاقتصادي خلال سنوات الألفين، مروراً بممارسة الحكم بتعسف متزايد خلال السنوات الـ33 التي حكم فيها البلاد.
التزم منذ شبابه النضال في حركات استقلال بلدان أفريقيا، ما أودى به إلى السجن منذ 1964.
وكان موغابي في الأربعين حين نالت بلاده استقلالها، ومشواره يشبه إلى حد ما مشوار نلسون مانديلا الذي كان أسير نظام الفصل العنصري حينها. أما الآن، بعد 33 سنة من الحكم، فهل تضع هذه الانتخابات حداً لعهد موغابي؟
(رويترز، أ ف ب)