إسطنبول | ربما كان هذا ما يتمناه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عشية لقائه ممثلي المحتجين على سياساته في ساحة تقسيم، بأن يكون رد الجماعات اليسارية عنيفاً على الدخول المفاجئ لقوى الأمن إلى ساحة الاعتصام، ليقول للمواطن التركي: «انظروا إلى هؤلاء الزعران. هم الموجودون في ساحة تقسيم». المفارقة أن من نعتهم رئيس الحكومة بالإرهابيين والرعاع قد وافق على لقائهم اليوم، في ظل تباينات واضحة بين رؤوس النظام في تركيا؛ ففيما يهدد رئيس الحزب الإسلامي المتظاهرين ويصفهم بأبشع النعوت، يعتذر نائبه بولنت أرينج منهم كما فعل الأسبوع الماضي بعد لقائه رئيس الجمهورية عبد الله غول الذي اكتفى بالقول إن «الرسالة وصلت» ولم يكن عنيفاً في خطابه ضد معارضي السلطة.
اللافت أن جميع محطات التلفزة الإخبارية كانت على الهواء مباشرة، ربما بتعليمات من أردوغان، لتنقل مشاهد الاشتباكات إلى الشعب التركي مباشرة. إلا أن موقف المعتصمين في حديقة «غازي» المجاورة لساحة تقسيم، جاء ليُفشِل مخطط رئيس الحكومة، إذ لم يتحرك أحد من هؤلاء المعتصمين وبقوا في أماكنهم ورجحوا مراقبة الاشتباكات عن بعد.
كان ذلك كافياً بالنسبة إلى التنظيمات المشاركة في تظاهرة تقسيم لتقوم بدعوة المواطنين إلى المشاركة في التظاهرة الأكبر في المكان نفسه مساء أمس، مع أن سلطات الأمن سعت إلى عرقلة وصول المواطنين إلى الساحة بعد أن ألغت رحلات المترو والمواصلات البحرية.
وفيما يراهن العديد من الشعب التركي على اللقاء المرتقب اليوم بين رئيس الوزراء وممثلي الهيئات والتنسيقيات المنظمة لتظاهرات إسطنبول، يصرّ أردوغان عبر القول باستمرار إن ٥٠ في المئة من الناخبين الأتراك قد صوتوا له في الانتخابات الأخيرة، على سلوك نهجه التقليدي في تحدي المتظاهرين لأنه يؤمن بأن هناك مؤامرة كبيرة تقف وراءها قوى خارجية وداخلية، الهدف منها هو إضعاف حكومته.
ولعل زعيم حزب العدالة والتنمية بات يراهن على دعم الإعلام والرأي العام التركي له، باعتبار أن المواطن التركي لا يريد أي توترات أو مشاكل قد تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا سيما في هذه المرحلة التي تصالحت فيها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني بهدف حل المشكلة الكردية. هذا ما يفسّر عدم مشاركة الأكراد في تظاهرات إسطنبول والمدن الأخرى.
يبقى الرهان الأخير على عناد الطرفين، أي أردوغان والمتظاهرين الذين بات واضحاً أن موقفهم ليس تكتيكياً، بل استراتيجي. فهم يطالبون الحكومة باحترام أبسط أسس الديموقراطية ومعاييرها، التي تعني احترام الرأي الآخر. أما أردوغان، بين التكتيك والاستراتيجية، فسيستمر في سياسات المد والجزر إلى أن يقضي على التظاهرات تماماً وبأي شكل ومن دون أن يلبي أيّاً من مطالب الجماهير؛ لأنه يؤمن بأن غالبيتهم معه، وهو ما يكفيه لأن يقول ويفعل ما يشاء ما دام الحاكم المطلق بلا منازع عسكرياً أو سياسياً أو اجتماعياً.
لعل هذا ما سيكفيه لتحقيق مخططاته بإعادة الناس إلى بيوتها بشكل أو بآخر، وبعد أن يقنع أنصاره بأن حزب الشعب الجمهوري والقوى الخارجية المعادية لتركيا هي سبب المشاكل التي تعيشها البلاد.