لم يكتف باراك أوباما هذه المرة بتعداد أخطاء جورج والكر بوش وإطلاق الوعود بتصحيحها، بل انتقل الى مرحلة الحسم: لم نعد في حالة «حرب دائمة على الإرهاب». بعد حوالى 12 عاماً على قيادة الولايات المتحدة جيشاً وإعلاماً وأجهزة استخبارات «الحرب الشاملة على الإرهاب»، أعلن الرئيس الأميركي أن الوقت قد حان لانحسارها.
خطاب أوباما في جامعة الدفاع الوطني نهاية الأسبوع الماضي يُصنّف تاريخياً في اللهجة والمضمون، رغم تشكيك البعض بقدرة الرئيس على تطبيق كل ما جاء فيه في ظل العرقلة المستمرة من جمهوريي الكونغرس.
للمرة الأولى، بعد حربي أفغانستان والعراق و«قانون مكافحة الإرهاب 2001» واعتقالات «غوانتانامو» والاغتيالات المتنقلة...، سمع الأميركيون والعالم لهجة أميركية جديدة تقول إن «جهود الولايات المتحدة لتفكيك المنظمات الإرهابية مستمرة، لكن هذه الحرب كما باقي الحروب يجب أن تنتهي». للمرة الأولى منذ 12 عاماً، يخرج رئيس أميركي ليبشّر بسحب الجنود عن الجبهات من دون إرسالها الى ميادين جديدة، ويقول إن الولايات المتحدة «لا تستطيع أن تحافظ على حريتها في ظل حرب دائمة». للمرة الأولى بعد هجمات 11 أيلول، يعترف رأس الإدارة الأميركية «بأننا، في بعض الأحيان، تخلّينا عن قيمنا الأساسية من خلال اللجوء الى التعذيب في استجواب أعدائنا واعتقال بعضهم بشكل مخالف للقانون». «لم تتعرض الولايات المتحدة لأي هجوم واسع النطاق أخيراً، وبلادنا تبدو أكثر أماناً»، كلام قد يسبب الغثيان للرئيس السابق بوش وكل أعضاء إدارتيه، وعبارات انتظرها معظم الأميركيين ومواطنو بعض دول العالم منذ سنوات.
«أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً»، قال المتفائلون من المعلّقين الأميركيين على سياسة أوباما الجديدة. بلهجة احتفالية، قرأ البعض عناوين «مستقبل مكافحة الإرهاب» الجديدة ورأوا في الخطاب «كلاماً صائباً وملتزماً للمرة الأولى». لم يرفع الرئيس الأميركي العلم الأبيض، ولم يطلق حمامة سلام في إعلانه الأخير، لكنه أنهى مرحلة «الحرب الشاملة الدائمة» وأعلن بداية عهد حرب انتقائية ظرفية. انتقائية بمعنى استبعاد الغزوات والحروب المباشرة تحت راية «مكافحة الإرهاب» التي تورّط الجيش بمعارك طويلة وتستنزف الخزينة واستبدالها بضربات جوية تنفذها طائرات من دون طيار. ثبّت الرئيس أوباما مرة جديدة إيمانه بصوابية اصطياد أعدائه من خلال طائرات تجسسية محدودة التكاليف. وفي هذا الإطار، كشف عن بعض التفاصيل الجديدة في اعتماد استراتيجية الهجمات بتلك الطائرات حددت نطاق استخدامها وفرضت بعض القيود عليها. وهنا رأى البعض أن الرئيس يتجه الى سحب تلك الاستراتيجية من يد «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إي) وحصرها بالبنتاغون.
وكما تباهى أوباما بإنجازات إدارته في مكافحة الإرهاب وإضعاف تنظيم «القاعدة» بالتخلص من زعيمه أسامة بن لادن ومن معظم ضبّاطه البارزين، اعترف الرئيس بفشل حل بعض القضايا، وعلى رأسها إغلاق معتقل غوانتانامو. فشل ناجم بشكل أساسي عن أزمة تعاون مع الكونغرس والتي أعلن الرئيس فتح الأبواب لحلّها أيضاً. وفيما تغزّل بعض السياسيين والصحافيين بـ«الرئيس الذي يزداد حكمة»، وصفه بعض الجمهوريين بـ«أكثر الرؤساء صمماً». وانتقد أبرز النواب الجمهوريين معظم النقاط التي أعلن عنها أوباما ونبّهوا من «إعلان انتصار مبكر» على الإرهاب ومن «الاعتقاد الخاطئ بأن القاعدة باتت ضعيفة». هؤلاء ركّزوا في ردودهم على «خطر النووي الإيراني والكيميائي السوري والحرب الأهلية الدائرة هناك ووجوب التدخل الأميركي في مثل تلك الظروف».
«تقف الولايات المتحدة اليوم أمام مفترق طرق. يجب علينا أن نحدد نوع هذا الصراع وإطاره»، قال أوباما في خطابه، فسأل بعض الصحافيين «ما هي طبيعة الحرب التي نخوضها حالياً إذاً؟ وهل لا تزال تسمّى حرباً؟».