«لم يبق مسؤول في إيران لم يترشح للانتخابات»، مزحة تم تداولها خلال اليومين الماضيين لعلها الأصدق تعبيراً عن هذا الزحف لخوض غمار السباق إلى الرئاسة الإيرانية، واختبار المواجهة في صناديق الاقتراع بدلاً من الشارع. ومع ذلك، يبقى الحدث الأبرز ترشح علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في خطوة رأت مصادر معنية أنها تستهدف «تحدي الأصوليين، بمعنى تحدّي الخطاب الثوري القديم لتلاميذ خامنئي تحت عنوان أنه صاحب مراجعات وسياسته متجددة، وإحراج القيادة العليا بحجة أنه منقذ النظام من محمود أحمدي نجاد ومجموعته، وتطهير رموز الفتنة الذين لا يمكنهم العودة إلى الحياة السياسية إلا تحت عباءته».
وتنفي هذه المصادر نفياً قاطعاً كل الشائعات عن أن ترشح رفسنجاني يحظى برضى المرشد، مشيرة إلى أن «القائد لم ولن يتدخل في الاستحقاق الرئاسي. رفسنجاني اتخذ القرار وحده، ليخوض الجولة الأخيرة من حياته السياسية»، متوقعة أن «يمنى بفشل ذريع لن يقوم من بعده».
وسارع رفسنجاني أمس، غداة تقديمه أوراق ترشيحه في ربع الساعة الأخير، إلى الإعلان عبر الموقع الالكتروني الرسمي أنه قرر خوض السباق الانتخابي «من أجل مصلحة البلاد»، حيث «سيعمل لصالح الجميع». وقال إنه سيعتمد برنامجاً «يقوم على الاعتدال ومشاركة جميع القوميات والأديان والمذاهب والتيارات السياسية المختلفة ويتجنب التفرد والإقصاء»، مشدداً على أن سياسته الخارجية ستقوم على «أساس إزالة التوترات في علاقات إيران الإقليمية والدولية، وعلى الحوار الشفاف الواضح والصريح والمتكافئ لحلّ الخلافات وتجنب إثارة المشاكل والتوترات». وكان رفسنجاني قال، بعيد تسجيل ترشحه، «جئت لأخدم، ومن حق الناس أن يختاروني أو لا».
وكان رفسنجاني انتقد بداية الاسبوع الماضي الأوضاع السياسية في الداخل الإيراني. وقال إن «المشكلات السياسية في بلادنا تعود إلى عدم وجود أحزاب سياسية نشطة، وذلك يتناقض مع الادعاءات بأن نظامنا يتّكئ على إرادة الأمة». وأشار إلى التهديدات الخارجية، وخاصة العقوبات الاقتصادية وتداعياتها على الشعب، خاتماً بالتأكيد أنه «لن يخوض الانتخابات إلا بموافقة المرشد ومباركته، وأنه في حال عدم الموافقة، فإن ذلك سيؤدي إلى نتيجة عكسية».
وتعرض رفسنجاني الاسبوع الماضي لسلسلة هجمات من أكثر من شخصية محافظة، بدءاً بوزير الأمن والاستخبارات حيدر مصلحي، ورئيس بلدية طهران المرشح محمد باقر قاليباف، مروراً بنائب رئيس البرلمان محمد رضا باهنر، والمستشار الثقافي لقائد الحرس الثوري مهدي فضايلي، وصولاً إلى رئيس تحرير صحيفة «كيهان» حسين شريعة مداري، عنوانها أنه من أثار «الفتنة» في 2009. ولعل الهجوم الأبرز جاء من الفيلسوف والمفكر الإسلامي محمد خامنئي، شقيق المرشد، الذي رأى أن أعداء إيران «قدّموا شخصاً سيجذب أضخم عدد من الأصوات، وسيشبههم فكرياً. وأظهرت أدلة أن رفسنجاني ربما كان الخيار الأفضل لهذه الخطة، ولا يهمّ إن كان مدركاً عمق المؤامرة». وعدّد محمد خامنئي أسباب «اختيار» رفسنجاني لهذه المهمة، أولها «اقتناعه منذ فترة طويلة بالعلاقات مع الولايات المتحدة وتصريحاته العلنية في هذا الشأن». والسبب الثاني يتمثّل في «موقفه البيروقراطي والسياسي في الأوضاع الراهنة، وإمكان تجاوزه (عقبة) مجلس صيانة الدستور». والسبب الثالث هو «الدعاية الواسعة من المقربين منه، وتتمحور حول سجلّه قبل الثورة، ومواقفه السياسية قبل فتنة 2009». أما السبب الرابع فيتمثّل في «الثقة بتمسكّه بموقفه السابق، ومساندته تيار الفتنة»، فيما يتمحور الخامس حول تمتّعه بـ«جذور لدى منظمات وطبقات، بينها كل القبائل والأعراق، واستعداده لإقامة علاقات مع مشيخات عربية ودول مجاورة».
وكان الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي قد رأى، قبل أيام، أن ترشيحه المحتمل الذي يرجح أن يرفضه النظام، قد يضاعف الأزمة مع السلطة ويضرّ بالحركة الإصلاحية التي «ستتراجع إلى أكثر مما هي عليه الآن»، داعياً إلى ترشح رفسنجاني على قاعدة أنه «إذا ترشح فسنتجاوز بإذن الله هذه المرحلة الصعبة». ورغم ترشح عدد من الشخصيات الإصلاحية، تؤكد جميع الترجيحات أن الإصلاحيين سيرمون بثقلهم خلف رفسنجاني باعتباره أملهم الوحيد بالفوز على مرشح الرئيس محمود أحمدي نجاد والتغلب على الأصوليين.
ولعل الحدث الثاني من حيث أهميته ودلالاته كان تقديم نسيب نجاد، اسفنديار رحيم مشائي، لأوراق ترشيحه في الدقائق الأخيرة أيضاً، في استعراض لافت شارك فيه الرئيس بنفسه، الذي بدا، على ما تحدث صحافيون، كمساعد لنسيبه (والد زوج ابنته) وهو يفتح الطريق له ويرتّب له منصة الإدلاء بالتصريحات.
ورغم أن من شبه المحسوم أن يرفض «مجلس الصيانة» ترشيح مشائي المتهم بأنه يتزعّم «تياراً منحرفاً» هدفه تقويض النظام، فإن المرشح الذي رفض المرشد ذات يوم قرار نجاد تعيينه نائباً له، قال في جلسة علنية إن «الإمام المهدي أمره قبل أيام بالترشح، وقال إنه سيقف أمام أعضاء مجلس صيانة الدستور ويجبرهم على قبول ترشيحه». وأضاف «أهليّتي (لخوض الاقتراع) نلتها من السماء، ولا أحتاج إلى تصديق مجلس صيانة الدستور. هذا يعني أن إمام العصر (الإمام المهدي) سيغيّر الظروف، بحيث إن المجلس سيصدّق على ترشحي».
وأعلن ناطق باسم «لجنة المادة 90»، التي تبتّ شكاوى رسمية ضد المسؤولين، تلقّيها دعوى ضد مشائي، لافتاً إلى أنها ستُقدّم إلى مجلس صيانة الدستور، قبل تصديقه على أهلية المرشحين للرئاسة.
وتسلم القضاء الإيراني يوم أمس شكوى من مجلس صيانة الدستور تتهم مرافقة الرئيس لمشائي بأنها تعدّ «دعاية انتخابية غير قانونية وجريمة دستورية تضاف إلى جرائم سابقة ارتكبها أحمدي نجاد، بسبب دعاياته المتكررة لنسيبه خلال جولات الرئيس الرسمية في المحافظات والمدن خارج طهران، وحرصه على اصطحاب مشائي معه والترويج له في تلك الجولات». وقال المتحدث باسم «مجلس الصيانة»، عباس علي كد خدائي، إن شكاوى سابقة مماثلة ضد انتهاكات نجاد للدستور قدمت إلى القضاء الذي «يجب أن يتخذ الموقف المناسب».
وكان أحد الصحافيين قد سأل نجاد، خلال تقديم مشائي أوراق ترشحه، «ألا تعتقد أن وجودك اليوم يعدّ مخالفة للقانون؟»، فأجابه: «أنا اليوم في إجازة من مهماتي كرئيس، ولذلك أعتقد أن وجودي غير مخالف للقانون». ولما سئل عن ترشح رفسنجاني، قال «لا مشكلة، فليترشح من يريد أن يترشح»، معرباً عن اقتناعه بأن الانتخابات ستكون «ملحمة سياسية».




جليلي مرشحاً في بلد المفاجآت

أسماء كثيرة تقدمت لخوض انتخابات الرئاسة الإيرانية، من داوود أحمدي نجاد، شقيق الرئيس وأشرس خصومه، إلى مستشاره السابق علي أكبر جوان فكر، والمتحدث باسم الخارجية رامين ماهمنبرست ووزير الخارجية السابق منوشهر متكي وغيرهم كثر.
لعل أبرز هذه الترشيحات كان ترشح سعيد جليلي في اللحظات الأخيرة، في خطوة تقول مصادر قريبة من هذا الملف إنها جاءت بعدما تأكد أن رفسنجاني اتخذ قراره بخوض غمار هذه المغامرة. ورغم أن جليلي من أبرز المرشحين ليكون المرشح الموحد للأصوليين، فإن قراره هذا إنما جاء بهدف أساس هو ألا يبقى خارج المواجهة ويساعد في تشكيل جبهة عريضة ضد رفسنجاني عبر تحمّل حصته من الدفاع عن خطاب الأصوليين، على الأقل في المجال النووي. ومعروف أن جليلي كان قد أعرب عن عدم رغبته في الترشح بعد اختيار «جبهة الصمود» الأصولية التي يظللها المرجع مصباح يزدي باقري لنكراني مرشحاً باسمها للانتخابات بدلاً منه.
ومع ذلك، يبقى الثابت الوحيد في الحياة السياسية الإيرانية، وواجهتها الانتخابات: توقّع كل ما هو غير متوقّع. في النهاية إن إيران بلد المفاجآت.