برلين | رغم تأكيد السياسيين والقادة العسكريين في حلف شمال الأطلسي أن قوات التحالف دخلت إلى أفغانستان معاً وستخرج معاً عام 2014، وفقاً للاستراتيجية التي وضعها الحلف، إلا أن خطط الانسحاب التي وضعتها كل دولة لقواتها لا يوجد أي تنسيق أو تشابه بينها، بعد قرار واشنطن المفاجئ، في وقت إعلانه، عن الانسحاب الكامل لقوات العم سام عام 2014.
فقوات التحالف الموجودة في أفغانستان تتكون من زهاء مئة ألف جندي يتحدّرون من خمسين دولة. كان من المقرر أن تنسحب كل هذه القوات تقريباً العام المقبل، لكن لا يزال الغموض يحيط بالطريقة التي سيجري بها هذا الانسحاب، إذ فاجأت واشنطن حلفاءها بتعديل خطتها للانسحاب.
فبعدما كان البيت الأبيض قد قرر خفض عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان بدءاً من شهر تشرين الثاني من العام الجاري إلى خمسين الفاً، ثم إلى 34 الفاً في العام المقبل، أعلنت الإدارة الأميركية أخيراً أنها ستسحب عدداً أكبر من قواتها في موعد أبكر مما كان مقرراً، وتبقي عدداً منها إلى ما بعد 2014.
وبما أن القوات الأميركية تمثل عماد قوات التحالف، إذ يصل عديدها إلى ثلثي العدد الإجمالي للقوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان، فإن انسحاب أعداد كبيرة من القوات الأميركية سيخلف فراغاً كبيراً، ويمثل تهديداً للقوات الأجنبية الأخرى التي بدأت هي الأخرى التفكير في الانسحاب بأسرع مما كان مقرراً.
وتبرر الولايات المتحدة قرارها بعدم سحب كل القوات بضرورة مساعدة قوات الأمن الأفغانية وتدريبها. وتشير القيادة الأميركية إلى أن كل مدرب سيبقى معه ستة جنود للضرورات الأمنية واللوجستية، من دون ان تحدد عدد المدربين الذين سيبقون في أفغانستان، لكن الهدف الحقيقي من الاحتفاظ بقوات أميركية في أفغانستان هو بالتأكيد البقاء في هذه المنطقة الاستراتيجية على الحدود مع باكستان وأوزبكستان، حيث يجد المقاتلون الإسلاميون ملاذاً آمناً، إضافة إلى إيران، وسعي واشنطن إلى إبقاء قواتها على مقربة منها.
وتجري مباحثات حالياً بين الإدارة الأميركية والحكومة الأفغانية حول بقاء أعداد من الجنود الأميركيين في أفغانستان، ليواصلوا ملاحقة ومهاجمة جماعات القاعدة وطالبان وحقاني في المنطقة، سواء عبر مجموعات من الوحدات الخاصة او طائرات من دون طيار، التي تنطلق من قاعدة باغرام الجوية التي يعتزم الجيش الأميركي الاحتفاظ بها حتى بعد عام 2014.
إلى جانب تبدل الخطط والاستراتيجيات الأميركية، تعاني القوات الألمانية الموجودة في أفغانستان، والبالغ عددها 4300 جندي، ضعف التنسيق مع القوات الأميركية هناك. فالقوات الألمانية تعلم عبر البيانات الصحافية الصادرة عن الأطلسي بتفاصيل العمليات العسكرية؛ من ملاحقة المشتبه فيهم وقتلهم أو اعتقالهم، التي تنفذها الوحدات الأميركية الخاصة في إقليم قندز (شمال) الخاضع لنفوذ القوات الألمانية، من دون إطلاع الألمان على ذلك. وقد اعترفت الحكومة الألمانية صراحة بهذا الواقع، رداً على استجواب تقدم به النائب عن حزب الخضر المعارض في البرلمان الألماني، أوميد نوريبور.
وتعتزم الحكومة الألمانية سحب قواتها من بغلان شمال البلاد في الأشهر المقبلة، والانسحاب من قندز مع نهاية العام، وإبقاء عدد من المدربين والمستشارين العسكريين بعد عام 2014، مع ما يعنيه ذلك من بقاء بضع مئات من الجنود المكلفين حماية هؤلاء وتقديم الدعم اللوجستي إليهم، حيث أعلن وزير الدفاع الألماني توماس دو مايتسير، أن عدد الباقين سيكون بين 600 و800 جندي.
أما فرنسا، فتعتزم سحب كل جنودها من أفغانستان لتخفيف الأعباء عن قواتها، وخاصة بعد انغماسها في القتال في مالي، إضافة إلى المصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتحول دون تمويل مهمّات جديدة، إذ تخشى حكومة باريس أن تؤدي المباحثات الدولية الدائرة حالياً بشأن أفغانستان إلى توافق على مهمة دولية جديدة تحل مكان مهمة «إيساف» لمساعدة القوات الأفغانية.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات كافية عن عدد أفراد القوات التي ستشارك في المهمة الجديدة، وطبيعة تكوينها وهوية الدول التي ستشارك فيها، إلا أن فرنسا تريد عبر الانسحاب الكامل لقواتها تأكيد عدم رغبتها في المشاركة في هذه المهمة.
على العكس من فرنسا تميل بريطانيا التي تشارك بتسعة آلاف جندي إلى الالتزام بالقرار الأميركي. فقد أعلن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي، عن رغبة بلاده في البقاء في أفغانستان، لا بل والمشاركة في المهمة الجديدة وعدم سحب جنودها الأربعة الاف حتى اللحظة، الأمر الذي قد يتبدل إذا تغيرت الحكومة في روما.
من جهة أخرى، لا يؤدي قرار الدول التي تشارك بأعداد رمزية كالنمسا (ثلاثة جنود) أو أوكرانيا (24 جندياً) او السلفادور (12 جندياً) دوراً كبيراً في خطط الانسحاب، وما قد يخلفه من تبعات.
المهمة التي بدأت قبل اثني عشر عاما بتضامن لا محدود مع الولايات المتحدة، كما أعلن المستشار الألماني في حينه غيرهارد شرودر، أصبحت اليوم عبئاً وموضع شك، فشرودر نفسه وإن كان لم يشكك في صوابية القرار الذي اتخذ عام 2001، إلا أنه قبل أيام أعلن عدم اقتناعه بأن المدة التي استغرقتها العملية كانت مجدية. وأصبح أحد الأهداف المعلنة للمهمة، وهو تحويل أفغانستان إلى دولة ديموقراطية، أمراً غير قابل للتحقيق، وهو ما اعترف به وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله، عندما أعلن أنه لا يمكن انتظار تحول أفغانستان إلى سويسرا وسط آسيا لسحب الجنود الألمان، مشيراً إلى أن من يظن أن بالإمكان نشر المعايير الأوروبية في الهندكوش واهم جداً.