إسطنبول | كانت عامبرين زمان الضحية الأخيرة في مسلسل الحرب، التي شنها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، على الإعلاميين الذين يتصدون لسياساته وسياسات الحكومة، وخصوصاً الاستراتيجية منها على الصعيدين الداخلي والخارجي. واضطرت إدارة صحيفة «خبر تورك» المهمة، الأسبوع الماضي، إلى إبعاد زمان من زاويتها التي هاجمت من خلالها سياسات الحكومة في موضوع الأكراد، من دون أن يتسنى لزمان أن ترد على قرار الصحيفة. الحدث الأهم في الحرب التي شنها أردوغان على الإعلاميين كان عبر إيقاف كتابات الصحافي الشهير حسن جمال (وهو حفيد جمال باشا السفاح) في صحيفة «مليات»، رغم مواقفه السابقة المؤيدة للحكومة وسياساتها وخاصة في موضوع المصالحة مع الأكراد.
إجراءات إيقاف زمان وجمال تأتي ضمن سلسلة من عمليات إيقاف الصحافيين وبرامجهم أو كتاباتهم شملت ما لا يقل عن 30 شخصاً بناءً على تعليمات مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة، التي لم تخف عدم ارتياحها من مواقف ومقالات وبرامج هؤلاء الإعلاميين الأوفر حظاً من زملائهم الذين أودعوا السجن بتهم مختلفة، أهمها التورط بأعمال إرهابية أو مخططات تستهدف إطاحة الحكومة، ومنهم مدير مكتب صحيفة «جمهوريات»، مصطفى بالباي.
ولا تتردد الحكومة في الضغط على رجال الأعمال، أصحاب وسائل إعلام مختلفة، لإيقاف كتّاب لا يزالون يتصدّون لسياسات أردوغان. وهو ما اضطرت إليه العديد من وسائل الإعلام التي يتخوف أصحابها من محاصرة الحكومة لهم عبر الأدوات التي تملكها، أي الرقابة المالية والضرائبية والإدارية.
وكان الحدث الأهم في محاصرة الحكومة لوسائل الإعلام هو موضوع سوريا، الذي أحرج رئيس الوزراء أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو، بعد الانتقادات العنيفة التي وجّهها عدد كبير من الإعلاميين الأتراك لسياسات الحكومة في موضوع سوريا. وكانت جايدا كاران الضحية الأخيرة في هذا المجال، حيث طردت هي أيضاً من تلفزيون «خبر تورك» بناءً على طلب من الحكومة لأنها كانت تتحدث بموضوعية عن القضية السورية، وخاصة الدعم التركي للجيش الحر والجماعات المسلحة.
وكان أردوغان قد منع، في حزيران الماضي، عدداً من كبار الإعلاميين الأتراك من السفر الى سوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد بعدما حصلوا على موعد رسمي منه واستعدوا للسفر إلى دمشق عبر بيروت، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً في الأوساط الإعلامية التركية والدولية.
واتهمت تقارير عديدة صدرت عن منظمات سياسية وإعلامية دولية وأوروبية وأميركية حكومة أردوغان بمضايقة الإعلاميين والإعلام ومنعهم من ممارسة نشاطهم وحقهم الديموقراطي، الذي يبدو أنه بات يعني بالنسبة إلى أردوغان حرية الحكومة للحد من حرية الإعلام والتصرف، كما تشاء ضد الإعلام الذي لم يعد من حقه توجيه أي انتقادات للحكومة في أي موضوع داخلي أو خارجي. وبات واضحاً أن أردوغان يريد إعلاماً موالياً له فقط، وهذا ما يفعله جميع الإعلاميين في وسائل الإعلام الموالية للحكومة من الصحف والتلفزيونات والإذاعات ومواقع الإنترنت، بالإضافة إلى المحطات الحكومية الرسمية التي تحوّلت إلى أبواق للدعاية الرسمية لحزب العدالة والتنمية والحكومة مباشرة.
ودفع كل ذلك البعض في الإعلام الداخلي والخارجي ليسمّي أردوغان السلطان الجديد، الذي يسعى منذ تسلّمه السلطة نهاية عام 2002 لتحويل تركيا إلى دولة شبه إسلامية، يكون هو زعيمها ولا يريد في ديوانه إلا من يمدحه من الشعراء والأدباء. ويقابلهم في عصرنا هذا الإعلاميون الذين نجح أردوغان من خلالهم في بسط سيطرته على جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها، ولم يبق منها إلا القليل، حالها حال الإعلام الذي لم يبق منه وفيه إلا القليل الذي لا يزال يزعج أردوغان.