«الشعب يريد خيارات أخرى»، خلاصة واقعية للانتخابات الرئاسية في فنزويلا. فعلى الرغم من وصية هوغو تشافيز باختيار نيكولاس مادورو، والجو العام المتعاطف معه بعد وفاة «القائد» ونتائج استطلاعات الرأي التي رجحت فوزه بنتيجة كبيرة، جاء الفوز «هزيلاً» لمادورو على خصمه زعيم المعارضة انريكي كابريليس، ليرسم علامات استفهام حول قدرة الرئيس على إعادة الثقة بالنهج الاشتراكي للبلاد بعد 14 سنة على «الثورة الاشتراكية»، في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية تهدد «استمرارية الثورة»، مع وجود معارضة أثبتت أنها خصم شرس سيعمل على أخطاء خصمه للانقضاض على السلطة. نتائج الانتخابات أظهرت عمق الانقسام في فنزويلا بعد رحيل هوغو تشافيز وتنذر بدخول البلاد في نفق مظلم بسبب الأزمة العميقة الناتجة من رفض المعارضة لنتيجة الانتخابات. وبعد الجدل الذي ساد بعد إعلان مادورو فوزه، ورفض كابريليس قبول النتيجة ومطالبته بإعادة فرز الاصوات، وهو ما رحب به الرئيس المنتخب، جاء الحسم من الهيئة المشرفة على الانتخابات، إذ أعلنت رئيسة مجلس الانتخابات الوطني الفنزويلي، تيبيساي لوتشينا، أن فوز مادورو نهائي، مضيفة في مؤتمر صحافي عقد في العاصمة كاراكاس «هذه النتائج لا رجعة فيها، وقد قال الشعب كلمته».
وأكدت لجنة الانتخابات الوطنية، بعد فرز أكثر من 99% من أصوات الناخبين، حصول مادورو على 50.7% من مجموع الأصوات، بينما حصل كابريليس على 49.1%، بفارق 235 ألف صوت فقط من أصل 19 مليون ناخب مسجل. النتيجة اعتبرت نصراً «معنوياً» لزعيم المعارضة الذي خسر في تشرين الثاني الماضي الانتخابات بوجه تشافيز بفارق كبير وصل إلى 11% (44% مقابل55%).
وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 79%، أي أقل من نسبة 80% القياسية التي حدثت العام الماضي في آخر انتخابات خاضها تشافيز وفاز فيها بفترة رئاسية ثالثة.
وفيما أثار رفض كابريليس قبول النتيجة مخاوف من وقوع اضطرابات سياسية في فنزويلا، أكد مادورو أنه لا «يريد عنفاً ويدعو إلى السلام والاحترام والتسامح واحترام المؤسسات». ووجه رسالة إجلال مفعمة بالعواطف للرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز، بينما قام أنصار كابريليس بالطرق على الأواني تعبيراً عن غضبهم وخيبة أملهم فيما كان مادورو يتحدث.
واحتفل أنصار الحكومة أمام قصر ميرافلوريس الرئاسي مطلقين الألعاب النارية في سماء كاراكاس. وقال مادورو «يعيش تشافيز... يعيش تشافيز... يعيش تشافيز. لنخرج إلى الشوارع لندافع عن هذا الفوز ولندافع عن هذا الانتصار بهدوء، وحتى نحتفل مع الشعب ونتذكر أننا التزمنا بما طلبه القائد. تشافيز أعدك... لقد حققنا تنصيبك واستقلالك ووطناً اشتراكياً». وفي حين أكد الجيش الفنزويلي احترامه لنتائج الانتخابات، دعا مادورو المعارضة إلى أن تتماشى مع المعطيات الجديدة في فنزويلا.
في المقابل، أعلن كابريليس رفضه الاعتراف بالنتائج الرسمية قبل إعادة تعداد كاملة لجميع الاصوات «واحداً واحداً».
وأصرّ على أن «هذه المعركة لم تنته، وسوف نصرّ على أن تكشف الحقيقة». وكشف عن وثيقة أظهرت وقوع 3200 «حادث» أفيد عنها أثناء التصويت، من إطلاق للنار إلى إعادة فتح مراكز تصويت بعد إغلاقها رسمياً. وتوجه كابريليس إلى خصمه بالقول «الخاسر اليوم هو أنت، أقولها لك بحزم»، مضيفاً «لم أحارب مرشحاً واحداً اليوم، بل الاستغلال الكامل للسلطة».
وعزا المحللون النتيجة المسجلة إلى الحملة المنظمة والتعبئة التي قام بها كابريليس، فيما سجل غياب الكاريزما لدى مادورو واستعماله لتعليقات غريبة في كثير من الأحيان، ومنها أن روح شافيز زارته في شكل طيور.
ومن الجمعة المقبل، الموعد المتوقع لتسلمه السلطة، سيكون مادورو أمام مهمة صعبة في السنوات الست لحكمه مع اقتصاد هش، كما يتعيّن عليه تحديث قطاعه النفطي، مع دين يوازي نصف إجمالي الناتج الداخلي وتضخم يفوق 20 في المئة، ما يعتبر نسبة قياسية في أميركا اللاتينية. كذلك سيكون على مادورو الالتزام بتعهداته التي قطعها لمناصريه لرفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30_40٪ ونزع سلاح الأحياء الفقيرة والعمل لتأكيد أنه ضامن «المهام البوليفارية»، في إشارة إلى البرامج الاجتماعية الممولة من العائدات النفطية للبلد الذي يملك أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)