لا يمكن فصل ما يجري في أفريقيا الوسطى هذه الأيام عن مخططات الدول الكبرى للسيطرة على ثروات الشعوب الفقيرة في القارة السمراء، بينما تبدو معركة حركة تمرد سيليكا للسيطرة على الحكم كأنها في إطار تحجيم النفوذ الفرنسي وسط القارة السمراء.
فالتمرد الذي حققته «سيليكا» (وتعني الكلمة باللغة الوطنية التحالف) أمس، والذي أدى الى طرد الرئيس المدعوم من تشاد في الشمال، فرنسوا بوزيزي، كان في سياق «نضال» متواصل منذ نحو ست سنوات، إذ لم يحترم الرئيس الاتفاقات التي عقدها مع المعارضة في السنوات 2007 و2011، و 2013.
ولعل الفصل ما قبل الأخير من فصول الحراك التمردي ضد النظام في 10 كانون الأول الماضي، والذي أدى الى توقيع اتفاق جديد في 11 كانون الثاني الماضي، كان حجر الرحى الذي دارت حوله كل التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد منذ ذلك الحين.
لكن التحالف لم يجد في إجراءات الرئيس سبباً كافياً للمضي في التعاون، معتبراً أن الأخير لم ينفذ كل ما تم الاتفاق عليه. فالاتفاق الذي وُقّع في عاصمة الغابون، ليبرفيل، بوساطة دول مجاورة من وسط القارة الأفريقية، نص على وقف اطلاق النار وإنهاء التمرد واستيعاب الميليشيات السابقة في الجيش النظامي وتشكيل حكومة وحدة وطنية وبقاء بوزيزي رئيساً وتعيين شخصية من المعارضة على رأس الحكومة وحل الجمعية الوطنية (البرلمان) وإطلاق السجناء السياسيين، وصولاً الى اجراء انتخابات عامة خلال فترة لا تتجاوز 12 شهراً، ورحيل القوات الأجنبية من أفريقيا الوسطى وخصوصاً قوات جنوب أفريقيا.
ويبدو أن الرئيس لم ينفذ كل البرنامج المتفق عليه، مكتفياً بإطلاق السجناء ورفع حالة الطوارئ، الأمر الذي دفع المعارضة الى اللجوء للسلاح مرة أخرى، فحاصرت منذ الأسبوع الماضي العاصمة، وهددت بالسيطرة على الحكم وتشكيل حكومة انتقالية.
ولم تنفع محاولات بوزيزي في امتصاص نقمة التحالف بإطلاق السجناء السياسيين، فانقلب السحر على الساحر هذه المرة وفرّ الرئيس الى جهة مجهولة، حسبما أفادت وكالة «فرانس برس».
وخلال الليل، أعلن المتمردون في بيان أنهم «متمسكون بديناميكية شاملة يمكن أن تؤدي الى مرحلة انتقالية»، مستبعدين «أي محاولة انتقام أو إقصاء». وقال المتمردون، قبل سقوط القصر الرئاسي، إن «افريقيا الوسطى فتحت عهداً جديداً في تاريخها».
غير أن غي سيمليس كوديغي، المتحدث باسم الجبهة الجمهورية من أجل التداول على السلطة والسلام (ائتلاف سياسي يجمع عدة أحزاب معارضة وجمعيات من المجتمع المدني)، أعلن من باريس أمس، أن «الأصعب يبدأ الآن»، مؤكداً «أمامنا عمل كبير في إعادة الإعمار الوطني. لا نريد انتقاماً، بل نحن في حاجة الى الجميع». واعتبر أن «رئيس المرحلة الانتقالية يجب أن يعينه مؤتمر وطني سيادي بالتوافق».
الواضح أن الوجود الفرنسي الذي له علاقة مباشرة باستثمار ثروات البلاد، ظل على مسافة بعيدة من الأحداث، مركّزاً على حماية مصالحه وجاليته التي يتعدى أفرادها الـ 1200 مواطن فرنسي، معظمهم في العاصمة.
ففرنسا التي رفض رئيسها فرنسوا هولاند التدخل الى جانب الرئيس بوزيزي في اضطرابات كانون الأول الماضي، عادت أمس على لسان متحدث باسم وزارة خارجيتها للتأكيد على أنها لا تعتزم إرسال المزيد من القوات إلى جمهورية أفريقيا الوسطى بعد سيطرة المتمردين على بانغي، حسب «فرانس برس». واكتفت باريس بتحذير رعاياها بحصر التجول في البلاد، حيث يعملون في قطاعات عديدة، منها شركات التعدين وجماعات الإغاثة.
وتعمل مجموعة «أريفا» الفرنسية في مجال الطاقة النووية باستخراج اليورانيوم في باكوما في جنوب جمهورية أفريقيا الوسطى وهي أكبر المصالح التجارية لفرنسا في مستعمرتها السابقة. كذلك تقوم الشركات الأجنبية في أفريقيا الوسطى باستغلال زراعة القطن والبن والمطاط ونخيل الزيت، واستخراج الماس والذهب.
وفيما كان الكولونيل غوما نركويو، أحد قادة حركة التمرد يقول «استولينا على القصر الرئاسي. بوزيزي لم يكن في داخله»، أفاد شهود بأن مسلحين وبعض السكان اغتنموا الفرصة لارتكاب أعمال نهب في المحال التجارية والمطاعم والمنازل والسيارات. ,قال مسؤول في الأمم المتحدة إن حكومة جمهورية الكونغو الديموقراطية طلبت من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس المساعدة في نقل أسرة رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى. وقال مستشار رئاسي طلب عدم نشر اسمه، إن بوزيز عبر نهر أوبانغي إلى الكونغو الديموقراطية صباح أمس، بينما توجه المتمردون الى قصر الرئاسة.
وقد انتخب الرئيس بوزيري الذي استولى على الحكم بالقوة في 2003، سنة 2005 وأعيد انتخابه في 2011 في اقتراع طعنت فيه المعارضة بشدة واعتبرته «مهزلة».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)