عاد الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف الى باكستان، بعد أربع سنوات أمضاها في المنفى بين لندن ودبي والسعودية، وذلك قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية المرتقبة في شهر أيار المقبل. عودة مشرف هذه تأتي بعد تدخل سعودي لدى حزب الرابطة الإسلامية الذي يرأسه نواز شريف، والجيش الباكستاني بقيادة أشفق برويز كياني، من أجل تأمين عودة سالمة لحليفها الى الساحة الباكستانية.وكان نواز شريف وأشفق كياني قد زارا أخيراً السعودية، وناقشا مع المسؤولين عودة مشرف والانتخابات التشريعية المقبلة، فيما بحث مشرّف مع السعوديين عودته والانتخابات، في مناسبات مختلفة. استدعاء السعودية لشريف، حليفها المقرّب أيضاً والذي حضنته عندما انقلب عليه مشرف في 1999، ولقائد الجيش الباكستاني الذي يملك نفوذاً قوياً، ولمشرّف، يعني أنّها ترصّ الصفوف وتستخدم أهم أوراقها من أجل معركة قوية لاستعادة النفوذ في باكستان ضدّ إيران التي يبدو أنها نجحت في اختراق البلاد، بعدما أقنعت الرئيس الحالي آصف زرداري بتوقيع اتفاق لمدّ أنابيب الغاز، على طول الحدود المشتركة في إقليم سيستان ــ بلوشستان، متحدّياً بذلك رفض الولايات المتحدّة وتهديداتها.
من جهته، ينفي حزب شريف وجود أي صفقة مع السعودية لعودة مشرف، ويصرّ على أنه يجب محاسبة الدكتاتور السابق على جرائمه، مشيراً الى أن مشرف حاول استخدام الضغوط الدبلوماسية للقاء شريف لكن الأخير رفض.
وفور وصوله، خطب مشرف في أنصاره، قائلاً: «عدت اليوم الى بلدي. أين هم من قالوا إنني لن أرجع أبداً؟». وأضاف طلب مني «شعبي أن أعود لإنقاذ باكستان حتى ولو على حساب حياتي. أريد أن أقول للذين يطلقون التهديدات إني مبارك من الله». وتساءل «أين باكستان التي تركتها قبل خمس سنوات؟ إن قلبي اليوم يعتصر ألماً للفقر والبطالة والتضخم».
ومشرّف لن يكون بمنأى عن الملاحقة القضائية أو التهديدات على حياته. فهو يواجه قضايا فساد خلال وجوده على رأس السلطة، منذ وصوله الى حكم بعد انقلاب عسكري في 1999، حتى إجباره على الرحيل في 2008. وقد صدرت بحقه ثلاث مذكرات توقيف، لكن القضاء الباكستاني أكد أنّه سيفرج عنه بكفالة، الأمر الذي أتاح له العودة. لكن هذه الملاحقة القانونية ستمنعه من الترشح للانتخابات التي ينتظر أن تعيد تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.
قتال بالوصاية
وفيما يبلغ الاحتقان الطائفي أوجه في المنطقة، فإن باكستان، حيث يشكل الشيعة ما بين 10 الى 20 في المئة من عدد سكانها الـ180 مليون، باتت ساحة ميدانية للقتال بين الطرفين، والسعودية وإيران أيضاً، وهذا ما يفسر الهجمات الطائفية التي وقعت خلال الأشهر الماضية.
في كانون الأول الماضي، أطلق مسلّحون النار على رجل الدين السنّي المتشدد، أورانك فاروقي، خلال كمين لموكبه في كراتشي. ويعدّ أورانك صوتاً متطرّفاً ضدّ الشيعة، ويصفهم بالأعداء، وهو يدعو أنصاره في منطقته لتوحيد صفوفهم ضدهم، ويرأس جماعة «أهل السنّة والجماعة» التي خلفت جماعة «فرسان الصحابة» بعدما حظرها نظام برويز مشرف في عام 2002 في إطار التحالف في الحرب على الإرهاب.
وفاروقي ليس الوحيد الذي استهدفته مجموعات شيعية مسلحة، بل نجا وقُتل العديد من رجال الدين المتطرفين وأنصارهم في حوادث مشابهة. ويُشتبه في أن تكون جماعة تطلق على نفسها اسم «قوة المهدي» هي من تقف وراء هذه الاعتداءات. ويُقال إن هذه المجموعة مؤلفة من نحو 20 عضواً فقط ينشطون في كراتشي، وإنها تتلقى تدريباً وتمويلاً من إيران.
وبعد محاولة اغتياله، أكد فاروقي أنه «يجب أن يستمع الأعداء إلى ذلك... مهمتي الآن هي استنهاض السنّة. سأجعل السنّة أقوياء للغاية في مواجهة الشيعة، إلى حد يأبى معه السنّي مصافحة الشيعي». خطاب يعكس حالة الاحتقان الذي وصلت اليها مدن باكستان، والصراع الطائفي الذي استعر في الأشهر الأخيرة.
وتنشط في كراتشي وكويتا عادة جماعة «عسكر جنجوي»، التي تبنّت الهجمات ضدّ الشيعة. وهذه الاعتداءات لا تقتصر على التفجيرات الانتحارية أو السيارات المفخخة، بل تتضمن أيضاً الاغتيالات ضدّ شخصيات بارزة وأطباء ومصرفيين ومعلمين. وعقب هجمات كويتا، وُجّهت أصابع الاتهام الى السعودية في الوقوف وراء جماعة «عسكر جنجوي»، وتحريضها على شنّ هجمات طائفية، وقيل إنها تتلقى تمويلاً من المملكة وبعض المانحين الخليجيين، وهو ما سارعت وزارة الخارجية السعودية الى نفيه.
(الأخبار)