أنقرة| ديار بكر | في إعلان يمكن أن يؤسس لمرحلة جديدة في النضال الكردي الطويل، أطلق زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، نداءه المنتظر، الذي من المفترض أن يكون خطوة أولى في خطة انهاء الحرب الكردية التركية. وناشد أوجلان مسلّحي الحزب لوقف العمل المسلح ومغادرة الأراضي التركية لكن من دون أن يحدّد الاتجاه. ودعا الأكراد إلى أن يتعاونوا مع الأتراك إخوانهم في الإسلام، ولم يستثن من ندائه شعوب الشرق الأوسط، بحيث دعاها الى الكف عن الاقتتال وانشاء نظام ديموقراطي حديث.
وتلى نداء أوجلان باللغة التركية، سري ثريا أوندار، وهو عضو في البرلمان التركي عن حزب «السلام والديموقراطية»، الجناح السياسي لـ«الكردستاني»، فيما قرأت عضوة البرلمان بارفين بولدان نداء أوجلان باللغة الكردية، وسط هتافات صاخبة تحية للزعيم الكردي.
وقال أوجلان، في رسالته التي تزامنت مع ذكرى «النيروز»، «وصلنا الى مرحلة يجب أن يسكت فيها السلاح. ويجب أن تنسحب العناصر المسلحة الى خارج حدود تركيا». وأضاف «أقولها امام ملايين الناس الذين يستمعون لندائي، إن عهدا جديدا قد بدأ يجب أن يتم فيه تغليب السياسة وليس السلاح».
وأولت جميع وسائل الإعلام والأوساط السياسية التركية خطاب أوجلان أهمية بالغة، ليتحول فجأة الى زعيم تاريخي بعدما كان زعيم الإرهابيين قبل عدّة أسابيع. واعتبرت وسائل الإعلام، وبناءً على تعليمات وتوجيهات الحكومة، نداء أوجلان بأنه تحول تاريخي بالنسبة للدولة والأمة التركية، لأنه يساهم في حل المشكلة الكردية نهائياً.
وكان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد أعلن أكثر من مرّة أن الدولة التركية ستقدّم كل التسهيلات والمساعدات لمسلّحي «الكردستاني» خلال خروجهم من تركيا بناءً على نداء أوجلان. وتحدثت المعلومات عن أن مسلّحي الحزب سيغادرون الأراضي التركية الى سوريا بدلاً من شمال العراق.
ولم يدع أوجلان مسلحيه أن يلقوا السلاح بصمت ويغادروا البلاد، وانما وجه أيضاً رسائل الى كل المجتمعات والى شعب الشرق الأوسط. وقال إن كل واحد عليه مسؤولية عظيمة أن ينقذ الشرق الأوسط من الامبريالية الغربية. وأضاف «هناك مسؤولية عظيمة تقع على عاتق شعب الشرق الأوسط من أجل تحقيق السلام والازدهار والحرية لبلادهم. أدعو العرب والأرمن والآشوريين والتركمان أن يتبنوا نار الحرية الخاصة بالنيروز. ادعوهم كي يعيشوا حرية النيروز».
وأشار في ندائه الى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد نهضة سياسية عارمة، وأن صوته بات مسموعاً في سوريا والعراق وإيران وتركيا، التي على أكرادها وشعوبها العربية والتركية والفارسية أن تكف عن الاقتتال. وحث كل الشعوب المقموعة وشرائح مجتمعات الشرق الأوسط أن تتبنى عقلية الإصلاح لانشاء «نظام ديموقراطي حديث». وأضاف «كل الشعوب المقموعة، والفئات، والنخب الثقافية، النساء اللواتي هن أكثر الشرائح غبناً في المجتمع، العمال والمذاهب والطوائف، وأي فئة استبعدت من النظام أن تتمتع بعقلية الإصلاح كي تشكل الديموقراطية الحديثة».
وتضمنت رسالته بعض الإشارات الإسلامية. إذ ذكر أن الأكراد والأتراك مسلمون وأخوة منذ آلاف السنين، وأن رسائل محمد ويسوع وموسى تنشط اليوم، والشعوب تحاول أن تستعيد ما خسرته بسبب الامبريالية. وأشار الى أنه خلال حروب الدردنيل في عام 1915، حارب الأكراد والأتراك معاً وماتوا معاً، وأول برلمان تركي عام 1920 أُنشئ بفضل الجهود المشتركة للأكراد والأتراك. ورغم انتقاده للامبريالية، لم ينف أوجلان أهمية القيم الغربية «لكن هذه القيم الديموقراطية يجب أن تنسجم مع قيمنا الخاصة».
وبعد توجيه النداء، تعهد «الكردستاني» باحترام دعوة زعيمه. ونقلت وكالة أنباء «فرات نيوز» الموالية للأكراد، عن قائده العسكري مراد كرايلان، من شمال العراق، حيث توجد القيادة العسكرية للحزب، قوله «ينبغي أن يعرف كل العالم أن حزب العمال الكردستاني مستعد للسلام وللحرب معاً. وفي هذا الاطار سنترجم الى فعل العملية التي أطلقها الرئيس أبو».
وأوضح مصدر كردي مطلع لـ«الأخبار» أن أوجلان لم يقصر عملية وقف إطلاق النار على طرف واحد، وإنما تحدث عن وضع السلاح من قبل الجانبين. كما لم يحدّد توقيت زمني لسحب مقاتليه، بل أشار إلى سحب القوات الكردية في إشارة إلى استعداده لتنفيذ هذه الخطوة، وذلك كرسالة موجهة إلى أنقرة. وقال إن الكرة أصبحت في ملعب الحكومة التركية «والمطلوب منها الرد على رسالة أوجلان بالفعل، لا بالتصريحات الاعلامية».
بدوره، علق زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا، صالح مسلم، المقرب من الكردستاني، على رسالة أوجلان، بالقول: «منذ مدة ليست بقصيرة، هناك بروبوغندا ضد الكردستاني، تقول إن الطرف الكردي يتجه نحو الاستسلام». وأوضح مسلم لقناة «روناهي» الكردية، أن الرسالة تفيد بوضع الطرفين سلاحهما جانبا، لافتاً إلى أن الغالبية تجهل تفاصيل هذه العملية، التي لن يكون فيها الجانب الكردي طرفاً ضعيفاً أو مستسلماً، بل هو طرف قوي، وبيده أوراق كثيرة.
ردّ الفعل الحكومي الأولي على رسالة أوجلان، جاء على لسان وزير الداخلية معرم غولير، الذي قال إن الرسالة سلمية لكن «علينا انتظار التطبيق». مضيفاً «سنرى كيف سيتم تطبيقها»، مديناً في الوقت نفسه عدم وجود أي علم تركي خلال الاجتماع في دياربكر.
وبعدها، رحب رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان بدعوة أوجلان ووصفها بأنها «تطور ايجابي»، لكنه أكد أن التنفيذ هو الجانب المهم. وقال للصحافيين، خلال زيارة الى هولندا، «أرى أن الدعوة تطور ايجابي. لكن المهم بالطبع هو تنفيذ هذه الدعوة. ان ما يحدث في تنفيذها مهم جداً».