يبدو أن التطورات العسكرية المُتسارعة الساخنة المترافقة مع مواقف مُلطّفة من زعيم جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية، كيم يونغ أون، تُفصح عن سياسة جديدة يتّبعها القائد الشاب، في ظل فرض عقوبات مالية دولية على بلاده بسبب تجربتها النووية الثالثة. لعلها سياسة ترمي إلى التفاوض مع الولايات المتحدة بهدف الخروج بمكاسب. ليس من قبيل المصادفة أن يكون تصريح كيم، نهاية العام الماضي، عن رغبته في صنع السلام مع كوريا الجنوبية متزامناً مع تجربة لصاروخ بعيد المدى. كذلك من اللافت أن تكون تصريحاته الأخيرة حول رغبة بلاده في إجراء التبادل الرياضي مع الولايات المتحدة، والإعلان عن السماح قريباً لزوار قلعته الستالينية باستخدام خدمة الجيل الثالث في الهواتف «3 جي» للإنترنت، قبيل تهديده «بشن ضربة وقائية نووية» ضد الولايات المتحدة، وبعد نحو شهر من تجربة نووية قامت بها بلاده واجهت انتقادات واسعة عالمياً حتى من حليفيه الصين وروسيا.
يبدو أن كوريا الشمالية، في ظل حكم حفيد مؤسسها كيم إيل تسونغ، تتجه نحو مقاربة مزدوجة تهز العصا بوجه الغرب من ناحية وتعطيه من اللسان حلاوة من جانب آخر، وهي المقاربة نفسها التي يتّبعها الأخير مع الدول المعارضة لسياساته.
لقد أتى تهديد كوريا الشمالية «النووي» أمس بعد أسبوع من تعبير أون عن أمله بأن يساعد التبادل الرياضي على تفعيل التفاهم المُشترك بين شعبين متخاصمين، في أعقاب مباراة كرة السلة بين فريق بلاده وفريق «هارلم غلوب تروترز»، والتي حضرها الزعيم الكوري مع لاعب كرة السلة الأميركي دينيس رودمان في بيونغ يانغ، حسبما أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية.
فأون لجأ الى إجراءات تصعيدية عديدة أخيراً، انتهت الى إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية أنه «ما دامت الولايات المتحدة تستعد لشن حرب نووية، فإن قواتنا المسلحة الثورية تحتفظ لنفسها بحق شن ضربة نووية وقائية لتدمير معاقل المعتدين». تهديد بدا واضحاً أنه إجراء استباقي قبيل قرار عقوبات مالية صدر أمس عن مجلس الأمن بعد مفاوضات شاقة بين الولايات المتحدة والصين (الأب الروحي لكوريا الشمالية) ويشمل تجميد كل تعاملات مالية، بما فيها نقل سيولة، إذا كانت تخدم جهود بيونغ يانغ لامتلاك أسلحة ذرية وصواريخ بعيدة المدى. ويحدد القرار، الذي صدّق عليه الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن بالإجماع، جملة من السلع الفخمة التي لن يُسمح لقادة النظام الشيوعي باقتنائها في المستقبل، حسبما ذكرت «فرانس برس»، ما يؤكد نية واشنطن استهداف النخبة الحاكمة في بيونغ يانغ في الدرجة الأولى، وهو ما عبّرت عنه المندوبة الأميركية سوزان رايس من أن العقوبات «ستضرب بقوة» النظام الشيوعي.
أجواء التصعيد وصلت الى ذروتها أمس مع تحذير المتحدث الشمالي من «حتمية» وقوع حرب كورية ثانية إذا أصرّت واشنطن وسيول على إجراء مناورات عسكرية مشتركة ضخمة مرتقبة الأسبوع المقبل، في وقت هددت فيه صحيفة «رودونغ سينمون»، الناطقة باسم حزب العمال الحاكم، بأن «الحرب لن تقتصر على شبه الجزيرة الكورية»، لأن صواريخ الشيوعية يمكن أن تصل الى جزر أميركية في المحيط الهادي.
ربما لاحت أمس، لوهلة في الأفق، مشاهد الحرب الكورية (1950_1953). فبيونغ يانغ التي كانت تهدد بحرب نووية كانت تقوم في الوقت نفسه بإجراءات فرض حظر للطيران والإبحار على جانبيها في البحر الشرقي والبحر الأصفر، ما يؤكد تقارير وزارة الدفاع الكورية الجنوبية عن نية الدولة الشيوعية القيام بمناورات عسكرية واسعة.
فعلى الجانب الجنوبي كانت بروباغندا التهويل تسير على قدم وساق، حيث أشارت وزارة الدفاع إلى أن كيم زار بين 20 شباط و25 منه وحدة جوية ووحدة للمدفعية ومعسكراً تدريبياً حربياً، وكذلك استعراضاً لإطلاق النار عند حدود بيونغ يانغ.
في هذا المناخ نفسه، صدر تقرير عن خبير جنوبي أشار فيه إلى أن لدى كوريا الشمالية نحو 1000 صاروخ، منها نحو 700 صاروخ يمكنه ضرب الأراضي الكورية الجنوبية. وأضاف الخبير، الذي نشر تصريحه موقع إذاعة (KBS) الكورية الجنوبية الإلكتروني، أن «الشمالية» قامت سنوياً بإنتاج 100 صاروخ، منذ تسعينيات القرن الماضي، ويعتقد أن 700 من تلك الصواريخ من نوع «سكود بي» و«سكود سي» ذات مدى يتراوح ما بين 300 إلى 500 كيلومتر ، وأن 300 من تلك الصواريخ من نوع «نودونغ 1» (1100 كيلومتر). وتوقع أن بيونغ يانغ أجرت عشرة اختبارات على صواريخ «كي ان _2» ذات المدى القصير (120 كيلومتراً).