جولة مكوكية يقوم بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة. ملفان أساسيان حاضران بين أوراقه في كلّ دولة حضر فيها: سوريا وإيران. ومن الرياض، محطتة السابعة ضمن جولته الأوروبية والشرق أوسطية، تعهّد كيري بتقديم المزيد من الدعم للمعارضة السورية بدون تسليحها، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي لن تكون إلى «ما لا نهاية». وقال كيري، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي سعود الفيصل، إنّ الولايات المتحدة «ستواصل العمل مع أصدقائها لتعزيز المعارضة السورية». وردّاً على سؤال حول إرسال دول مثل قطر والسعودية أسلحة إلى المعارضين، قال إنّ لدى «المعارضة المعتدلة القدرة للتأكد من أن الأسلحة تصل إليها، وليس إلى الأيدي الخطأ»، في ما بدا موافقة ضمنية على إرسال أسلحة إلى المتمردين «المعتدلين».
من جهته، قال الفيصل إنّ السعودية «تشدّد على أهمية أن يتمكن الشعب السوري من الدفاع عن نفسه كحق مشروع بمواجهة آلة القتل والدمار». وتابع «بحثنا وقف إمداد النظام السوري بالأسلحة التي سيستخدمها في قتل شعبه».
ورداً على سؤال عن الأسلحة المرسلة إلى المعارضة، أجاب «لا نستطيع أن نقف صامتين أمام المجرزة في سوريا. لدينا واجب أخلاقي. لم نرَ نظاماً يستخدم صواريخ استراتيجية ضد شعبه». وأضاف «لا يمكن أن يحق لشخص يقتل شعبه أن يدّعي الحق في حكم بلده». وفي الملف الإيراني، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنّ المفاوضات حول برنامجها النووي لن تستمر إلى «ما لا نهاية». وقال «نفضل نحن (واشنطن والرياض) خيار الدبلوماسية، لكن نافذة الحلّ الدبلوماسي لن تبقى دائماً مفتوحة».
من جهته، أكد الفيصل، أيضاً، أنّ المفاوضات مع إيران «لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية»، معبّراً عن أمله بأن «تسفر المفاوضات مع إيران عن حلّ جذري». وقال «يجب الإصرار على إيران لكي تظهر دوافعها بوضوح، وتفهم أن التفاوض سيكون لفترة زمنية معينة لا يمكن أن يستمر إلى الأبد».
وأعرب عن أمله بأن يُحل الملف النووي الإيراني بشكل دبلوماسي، وبما يبدد الشكوك المتعلقة به، «ويضمن استخدام إيران الطاقة النووية للأغراض السلمية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
كذلك أكد كيري أنّ بلاده ستقوم بما هو ضروري لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وذلك من أجل منع انتشار هذا النوع من السلاح في المنطقة. وأوضح أنّه «لن يكون هناك شرق أوسط أكثر أمناً أو عالم أكثر أمناً عندما تكون هناك دولة تصدّر الإرهاب وتتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتنتهك توقيعها لمعاهدة منع الانتشار النووي».
وختم كيري قائلاً إنّ «التهديدات ليست ناجمة عن قنبلة نووية فقط، بل أيضاً عن التهديدات الناجمة عن قنبلة قذرة أو مواد يستخدمها الارهابيون».
من ناحية أخرى، أشاد كيري بتعيين السعودية ثلاثين امرأة في مجلس الشورى، معتبراً أنّها خطوة مهمة على طريق تطبيق الإصلاحات في السعودية.
وفي لقاء آخر، التقى كيري الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي وصل إلى العاصمة السعودية فجأة، على «الغداء» بعيد ظهر أمس. وأعلن كيري أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «على علم» باللقاء، في وقت أعلن فيه سفير فلسطين لدى الرياض، جمال الشوبكي، أن عباس سيعرض مع كيري موقف الإدارة الاميركية الجديدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قبل زيارة الرئيس باراك أوباما للمنطقة في العشرين من آذار الحالي.
وأضاف أنّ عباس سيؤكد «المطالب والثوابت الفلسطينية ومدى التجاوزات الإسرائيلية في القدس، والاستيطان، وقضية المعتقلين المضربين عن الطعام الذين يعانون من دون أن نرى ردّ فعل أميركي أو تدخلٍ بمستوى الجريمة الإسرائيلية».
وأكد الشوبكي «ترتيب اللقاء في الرياض بعد إلغاء لقاءٍ كان مقرراً في المنطقة بسبب عدم تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة». وقال إنّ «عباس يريد من اللقاء أن تطرح الإدارة الأميركية موقفاً يدعم حرية الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وينهي الاحتلال الإسرائيلي، كما تدعم الإدارة الأميركية حرية الشعوب في المنطقة». إلى ذلك، التقى كيري، أيضاً، ولي عهد السعودية سلمان بن عبد العزيز،
وأجرى محادثات حول إيران وسوريا وقضايا أخرى مع نظرائه الخليجيين الذين «أعلنوا تأييدهم تسوية النزاع السوري عبر الحوار، مطالبين في الوقت ذاته بحماية دولية للمدنيين».
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قد عقدوا في الرياض الدورة الاعتيادية السادسة والعشرين بعد المئة. وقد طالبت دول الخليج في ختام اجتماعها «الأطراف في سوريا بالتعاطي» مع مبادرة رئيس «الائتلاف» المعارض أحمد معاذ الخطيب، مندّدة في الوقت ذاته بـ«القتل العنيف غير المبرر للشعب السوري»، ومطالبة «بحماية المدنيين وفقاً للفصل السابع». وأكدت أن المجلس يشدّد على «أهمية السعي لتوحيد الرؤية الدولية في التعامل مع الأزمة السورية وصولاً إلى عملية نقل سلمي للسلطة».
في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية البحريني خالد آل خليفة، خلال مؤتمر صحافي، إنّ «تسليح المعارضة السورية أمر يخصّ الجامعة العربية، والموضوع ليس مطروحاً أمام مجلس التعاون، ونحن جزء من الجامعة». وأدان آل خليفة «استمرار تدخل إيران في شؤون دول الخليج»، وتابع «سنؤكد لكيري التزامنا، ونشكره على التزام بلاده أمن المنطقة. الجميع استفاد من العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وسننقل وجهة نظرنا في ما يتعلق بإيران وسوريا». كذلك أكد دعم اليمن والحوار الوطني المزمع إقامته في 18 من الشهر الحالي فيه، «وسيستمر ذلك إلى أن يخرج اليمن من أزمته الحالية». وأضاف أنّ «دول مجلس التعاون الخليجي لن تسمح لإيران بإشعال الحرب في المنطقة»، مضيفاً أن دول المجلس حريصة على ضمان الاستقرار في المنطقة.
ووصل كيري إلى الرياض مساء الأحد في زيارة استغرقت يومين، والسعودية هي المحطة السابعة لكيري في جولته الخارجية الأولى منذ توليه منصبه. وغادرها متوجهاً، أمس، إلى الإمارات. ويتوقع أن يلتقي كيري كبار المسؤولين فيها «لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك»، قبل أن يتوجه بعد ذلك إلى الدوحة، حيث يلتقي القيادة القطرية لمناقشة «قضايا ثنائية وإقليمية، بينها الأزمة في سوريا».
(الأخبار، أ ف ب)