مفصل مهم تعيشه أوروبا مع الانتخابات التشريعية الايطالية، التي جاءت في وقت تمرّ فيه القارة العجوز في أزمة اقتصادية أثّرت سلباً على دول اليورو، وإيطاليا من بينها. فالمعركة الانتخابية كان محورها يرتكز على كيفية الخروج بإيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، من دائرة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها، والتي كانت سبباً أساسياً لاستقالة سيلفيو برلوسكوني قبل 18 شهراً من رئاسة الحكومة الايطالية، والمجيء بماريو مونتي رئيساً لإنقاذ الوضع، ولكنه فشل رغم كل الدعم الدولي والأوروبي.
أصوات الإيطاليين توزعت ما بين التحالفات الستة التي تشكلت، وفي مقدمها تحالف يسار الوسط بقيادة الحزب الديموقراطي اليساري بزعامة بيير لويجي بيرساني، وتحالف وسط اليمين بزعامة سيلفيو برلوسكوني، والذي يضم حزب شعب الحرية وحزب رابطة الشمال، وتحالف الوسط بقيادة رئيس الحكومة المستقيل ماريو مونتي، وتحالف الثورة المدنية برئاسة القاضي أنطونيو إنغرويا، وحركة خمس نجوم برئاسة الممثل الكوميدي السابق جوزيبي غريو، وحركة «العمل من أجل وقف الانحطاط»، ويترأسها الصحافي أوسكار جانينو.
وخاض قادة التحالفات الانتخابات الحالية بمشاريع انتخابية ركزت في الدرجة الأولى على الضرائب والبطالة وإيجاد فرص عمل. فماريو مونتي، الوسطي الذي قدم في 4 من كانون الاول الماضي خطة تقشفية بحوالى 20 مليار يورو حتى عام 2014، ونصت على خفض الميزانية ورفع الضرائب في سلسلة إصلاحات صعبة، وعد بـ«خفض تكلفة العمل للوظائف الجديدة وتطوير أساليب التدريب». أما زعيم اليسار الإيطالي، الأمين العام للحزب الديموقراطي، بيير لويجي بيرساني، فوعد بالعمل على جعل الايطاليين يهتمون بالاقتصاد الحقيقي، أي الإنتاج، كذلك وعد بإنشاء قوانين جديدة لمكافحة الفساد وتضارب المصالح وقوانين تدعم فتح أسواق تجارية حرة ومنفتحة، والتركيز على توفير فرص عمل للجميع.
بدوره، زعيم ائتلاف اليمين، رئيس حزب «شعب الحرية»، سيلفيو برلوسكوني، قدم نفسه على أنه المنقذ الذي سيغير واقع إيطاليا. وأوضح أنه يخوض معركته الانتخابية الاخيرة لمساعدة البلاد على الخروج من النفق القاتم الذي أجبرهم على دخوله فارضو الضرائب من التكنوقراط، واعداً بأنه سيعمل على تعويض الأسر الإيطالية عن ضريبة 2012 التي دفعوها عن المنزل الأساسي للأسرة.
الوعود الأهم جاءت من «ظاهرة الانتخابات الحالية»، الممثل الفكاهي السابق جوزيبي غريو، الذي وعد بجعل الحد الأدنى للأجور ألف يورو، وبخفض رواتب رجال السياسة والانسحاب من منطقة اليورو وبخفض ساعات العمل إلى 20 في الأسبوع.
ووسط الوعود الانتخابية للمرشحين، لم يحسم الإيطاليون بشكل كبير هوية مرشحهم الذي يأملون منه العبور بالبلاد إلى الاستقرار الاقتصادي، فسادَ الغموض هوية الفائز، في ظل استحالة حصول أي من الكتل الست الأساسية على الغالبية الضرورية لتشكيل الحكومة المقبلة وحدها، إذ إن الشرط الاساسي لأحد المرشحين للفوز برئاسة الحكومة تقضي بأن يحصل على غالبية في مجلس النواب (630 عضواً) ومجلس الشيوخ (315 عضواً منتخباً).
ورغم ترجيح استطلاعات الرأي لفوز بيرساني بـ34% من الاصوات، لكن فرصه بالحكم سيعرقلها فوز برلوسكوني الذي أعطته استطلاعات الرأي 30% من الاصوات. ومن المفترض أن يسجل برلوسكوني عودته السياسية في مناطق رئيسية، مثل لومباردي وصقلية. وفي حال فوزه، سيحرم يسار الوسط من إحراز غالبية ساحقة في مجلس الشيوخ، وبالتالي نيل الغالبية في المجلسين، وهو ما يجعل من الصعب حكم البلاد وتأليف حكومة مستقرة.
وفيما يترقّب حصول زعيم الائتلاف الوسطي، ماريو مونتي، على ما بين 10 أو 12% من الأصوات، وغريو على نحو 17 في المئة من الأصوات، فإن النتائج ستنتهي إلى وجود أغلبيتين مختلفتين في المجلسين (النواب والشيوخ) وهو ما يثير قلق الأسواق وشركاء روما، ما يفرض على أقطاب التحالفين (اليسار واليمين الوسط) تشكيل تحالف عقلاني لتأليف حكومة مستقرة تقود إيطاليا في المرحلة المقبلة وتعطي التطمينات اللازمة للأسواق والشركاء الأوروبيين.