سلّطت صحف أميركية وعالمية هذا الأسبوع الضوء على أحد أهم القضايا التي تشغل دوائر القرار السياسي والشركات الاقتصادية الكبرى لجهة التجسس الصناعي وتبعاته. فقد أشارت التحليلات الجنائية الأميركية الى هجوم مصدره الصين استهدف شركات ومؤسسات أميركية ووزارات.
ووفق دراسة مؤلّفة من ستين صفحة، أفادت التحليلات بأن مصدر الهجمات كان مبنىً مؤلفاً من ١٢ طبقة يقع في إحدى ضواحي مدينة شنغهاي، العاصمة المالية لجمهورية الصين الشعبية.
الدراسة، التي تنشرها «شركة مانديانت» عن «مجموعة الأمان الكمبيوتري الأميركية»، تعقبت للمرة الأولى أفراداً من مجموعة القرصنة الإلكترونية الصينية التي عُرفت لدى الكثير من ضحاياها في الولايات المتحدة بوحدة «كومنت كرو» أو فريق التعليق، التي تُعرف أيضاً بـ«مجموعة شنغهاي»، أو وحدة رقم 61398.
وذكرت صحيفة «الإيكونوميست» أن المبنى الذي يضم هذه الوحدة مُجهّز ببنية تحتية خاصة للاتصالات بالألياف البصرية، تحت عنوان «باسم الدفاع الوطني».
لكن المجلة الأميركية ذكرت أن التقرير لم يستطع إثبات أن مصدر الهجمات هو «المبنى العسكري» الذي حُدِّد، بل خلص إلى أن هذا التفسير هو الأقرب لنتائجه، «إما أن يكون أتى من الوحدة 61398، أو أن الأشخاص الذين يتحكمون بشبكات الإنترنت الأكثر عرضة للمراقبة والسيطرة في العالم جاهلون بوجود آلاف الأشخاص الذين يولّدون الهجمات من هذا الحي وحده»، حسبما قال المؤسس الرئيس التنفيذي لـ«مانديانت» كيفن مانديا.
وتقول «مانديانت» إنها تعتقد أن المعلومات المسروقة يمكن أن تُستَخدم لمنفعة الحكومة الصينية والشركات التابعة لها.
وحول المجموعة المُهاجمة، يذكر التقرير أنها على درجة عالية من الخبرة في هذا النوع من الحروب، فقد جرى تعقبها حتى عتبة مركز قيادة وحدة جيش التحرير الشعبي الصيني. وهي وظفت مئات وربما آلافاً من المتدربين، بنحو خاص، على أمن الشبكات العنكبوتية، ومعالجة الإشارات الرقمية، وسرية الاتصالات وعلم اللغة الإنكليزية.
هذه المجموعة تركز حالياً على شركات الخدمات الأساسية والمنافع العامة، مثل محطات الطاقة الكهربائية والغاز والمياه وشبكات توزيعها، بعدما كانت قد اخترقت شركات إنتاجية مثل كوكا كولا ونسخت كل البيانات منها.
ويضيف تقرير «مانديانت» أنه منذ عام 2006 رُصدت هجمات قامت بها هذه الوحدة ضد 141 شركة امتدت لتشمل 20 مصنعاً كبيراً. واستناداً الى وكالة «أسوشييتد برس»، ورد في التقرير أن هناك شكوكاً الكبيرة في أن هناك خبراء عسكريين صينيين يساعدون القطاع الحكومي بسرقة أسرار من الشركات الغربية تقدّر بمئات الملايين من الدولارات، لكن الجيش الصيني نفى تورطه في هذه الهجمات.
كذلك ذكرت «الإيكونوميست» أن الحكومة الصينية نفت هذه الادّعاءات. وأشارت إلى قول المتحدث باسم وزارة الخارجية هونغ لي، أول من أمس، لـ«مانديانت»، «إن الصين نفسها كانت ضحية للهجمات الإلكترونية، وإنها تفرض القوانين التي تحظر هذا النشاط»، مضيفاً أن «هذا النقد الذي لا أساس له، غير مسؤول وغير مهني، ولن يساعد في حل المشكلة».
أما صحيفة «نيويورك تايمز»، التي استأجرت «مانديانت» للتحقيق في هجمات الكترونية مصدرها الصين ضد نشاطاتها الإخبارية، فكانت أول من قدم تقريراً عن استنتاجات الشركة. وخلصت «مانديانت» الى ان مصدر الهجوم على الصحيفة مختلف.
وفي السياق، نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن الخبير الأمني البريطاني، غراهام كلالي، قوله إن «هذا في الحقيقة عصر جديد للجريمة الإلكترونية»، مضيفاً: «انتقلنا من الأطفال في غرف نومهم والجرائم المالية إلى جرائم الإنترنت التي ترعاها الدولة والتي تهتم بسرقة الأسرار والحصول على فوائد عسكرية أو تجارية».
وتضيف الوكالة أن الموردين يمكن أن يضغطوا على الزبائن ليدفعوا أكثر إذا عرفوا معلومات عن أوضاعهم المالية. وتؤكد أن الصين يمكنها أن تتطور بسرعة لتصبح دولة عملاقة تمتلك شركات تظهر كأبطال قوميين من خلال تكنولوجيات إضافية ومعلومات أخرى من الغرب. ونقلت الوكالة الأميركية عن عميد مدرسة متخرجي الجامعة الكورية الجنوبية لسرية المعلومات، جيم ــ يونغ إين، قوله إنّ «هناك عدداً من القراصنة ترعاهم الحكومة الصينية التي تقود الهجمات الإلكترونية». بدوره، الخبير بشؤون الأمن السيبري ريوسوك ماسوكا، من مركز طوكيو للدراسات الدولية العامة (مفكر مستقل)، يصف ما يجري بأنه «يشبه حرباً جارية»، محذراً من أنها «تتجه للتوسع وتتعمق أكثر
وأكثر».
وكثر الحديث في السنوات الأخيرة عن مخاطر تعطيل القطاعات الحيوية للدول بمجرد شنّ هجمات سيبرية على شبكات الخدمة الأساسية. وهي شكل لم يعد استبعاده قائماً بعد الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل على المحطات النووية الإيرانية عبر فيروس «ستنكست»، أو الهجمات التي تعرضت لها شركة النفط السعودية أرامكو على محطات ضخها وقواعد بياناتها بما يشتبه أن مصدره كان إيران.
الجدير ذكره أن الولايات المتحدة، إضافة إلى حكومات كبرى تعمل على تطوير تكنولوجيا للتجسس الإلكتروني لأهداف استخبارية وأمنية، رغم عدم وضوح حجم إمكانية توظيف ذلك في التجسس التجاري.



قلق البيت الأبيض

قال البيت الأبيض أول من أمس، إن حكومة الرئيس باراك أوباما (الصورة)، عبّرت أكثر من مرة عن قلقها من عمليات سرقة إلكترونية صينية لمسؤولين على أعلى المستويات في حكومة بكين، من بينهم مسؤولون عسكريون. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني: «أستطيع أن أقول لكم إننا عبّرنا مراراً عن مخاوفنا على أعلى المستويات لمسؤولين صينيين كبار بشأن عمليات سرقة إلكترونية، بما في ذلك لمسؤولين في الجيش وسنواصل عمل ذلك». لكنه رفض التعليق بشكل محدد على محتويات تقرير شركة مانديانت الأميركية.
وكان الرئيس الأميركي قد حذر من أن الهجمات السيبرية تعد شكلاً من أشكال العدوان الحربي على بلاده، ما يفسح المجال أمام ردّ عسكري بالمثل.
وفي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه أمام الكونغرس في 12 شباط الحالي، قال أوباما إن «أعداء» الولايات المتحدة السيبريين لا يقومون فقط بسرقة الهويات الفردية ويخترقون البريد الإلكتروني للأشخاص والشركات، بل أيضاً يكتسبون القدرة على اختراق النظم المدنية للبلد إضافة الى شبكات الطاقة، والمؤسسات المالية والبنية التحتية لمراقبة الحركة الجوية.
(رويترز، أ ب)